تستمر إيران في الاستفادة من مرحلة الغموض التي فرضتها بعد حرب الـ12 يوماً، لتعظيم إمكانياتها النووية، في ظل تعميقها لقدراتها دون الإعلان عن القفزات التي تحققها، لاسيما مع استمرار تخصيبها لليورانيوم وتحسين كفاءات برنامجها النووي، بحسب تقارير غربية متعددة.
ووفق خبراء، فإن الأشهر الستة الماضية ومع تعليق طهران التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كان العمل الدؤوب على تشغيل وتطوير أداء أجهزة الطرد المتطورة التي تسمى "أي . أر - 6 " وما شابه ذلك، وأجرت تحسينات لأنظمة الصواريخ الباليستية من حيث المدى والدقة والوقود الصلب والقدرة على المناورة، بجانب تطوير مركبات إطلاق فضائي تستخدم بشكل مدني ظاهرياً، لكنها تحمل تراكم خبرات كبيرة قابلة للازدواج.
وتضرّرت المنشآت النووية العلنية ومنها فوردو و نطنز واصفهان، بشكل كبير في يونيو الماضي بالحرب الإسرائيلية الأمريكية، وهناك كمية من اليورانيوم المخصب دفنت تحت الأرض بعد قصف المواقع، في وقت تمتلك فيه طهران منشآت سرية أخرى وتحتفظ فيها بمخزون من اليورانيوم ومعدات وأجهزة ومعامل متطورة.
وشهدت الـ6 أشهر الأخيرة، مراحل متنوعة من الغموض النووي من جانب طهران، لتعمل في إطار محاط بقدر كبير من السرية والتعتيم على ترميم ما لحق من ضرر بقدراتها التي وصلت إليها على المستوى النووي والصاروخي العسكري، عبر ضربات إسرائيلية أمريكية مؤثرة في يونيو الماضي، على منشآت نووية ومواقع عسكرية، لتتلاشى مواقع أنفق عليها مليارات الدولارات.
وقد جاءت الاستهدافات القاتلة في حرب الـ12 يوما، بتدمير معامل التخصيب، وفي الوقت ذاته، فقدان كميات كبيرة من اليورانيوم، التي دفنت تحت الأرض وفي أعماق الجبال بفعل قوة القصف التي أغلقت الفتحات والمنافذ والممرات عبر الموجات الانفجارية بفعل قنابل ثقيلة الوزن؛ ما أدى إلى تهدم مواقع محصنة وقطع جبلية صخرية على أماكن عمل سرية، فضلا عن أن قوة الضربات جاءت باختفاء أجهزة ومعامل ومخزونات من اليورانيوم المخصب، لم يتم تحديد أماكنها بعد، في حين أن ما عرف مكانه، يحتاج إلى عمليات حفر دقيقة وشاقة للوصول إلى هذه الأعماق ومن ثم بحث مدى صلاحية هذه العناصر وإمكانية الاستفادة منها، ضمن خطة إحياء البرنامج النووي.
وقامت عملية الترميم المصحوبة بالتعتيم من جانب طهران لإحياء برنامجها النووي، على مراحل مدروسة ، كان أبرزها تعليقها التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 19 سبتمبر الماضي، وذلك بقرار من المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، الذي أرجع لما وصفه بـ "الإجراءات غير المسؤولة" لثلاث دول أوروبية بشأن الملف النووي، موضحا أن الخطوات الأوروبية الأخيرة بشأن هذا الأمر، رغم تعاون طهران المستمر مع الوكالة وتقديمها مقترحات للحل، قد أدت عملياً إلى تعليق التعاون القائم معها.
واستمرت تلك العملية في أوجه أخرى منها ما جرى في أكتوبر الماضي، بإعلان طهران رسمياً استئناف برنامجها النووي بما في ذلك التخصيب.
وأظهرت خلال الأشهر الماضية، صور في أوقات متفرقة، عودة النشاط والعمل في مواقع نووية وهي نطنز وفوردو؛ ما كشف وجود معدات وآليات تظهر عمليات بناء أو إصلاح في المنشآت المتضررة.
وركزت عمليات الترميم في هذه المواقع على تنظيف جزئي في بعض المنشآت المتضررة، لتوفير غطاء يسمح باستخراج مواد ويعمل على تقليل فرص المراقبة الخارجية، مع وضع ألواح فوق هياكل دفاعية متضررة، وملء حفر الضربات وإنشاء طرق جديدة.
وفي هذه الأثناء، أقر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بتعرض المنشآت النووية الإيرانية "لأضرار جسيمة" في حرب الـ12 يوما، مؤكدا في الوقت نفسه أن البرنامج النووي لم يُقض عليه، وأن طهران لا تزال متمسكة بحقها في التخصيب، مع إبداء استعدادها لتقديم "ضمانات كاملة" تؤكد الطابع السلمي للبرنامج.
ويقول الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور محمد بايرام، إن إيران خلال الأشهر السابقة عمّقت من قدراتها دون الإعلان عن قفزات رسمية في برنامجها النووي، حيث استمرت في تخصيب اليورانيوم، وسط الإدعاء بأنها لا تقوم بذلك بغرض الحصول على أسلحة نووية، ومن المتوقع وصولها إلى نسب مرتفعة غير محددة، مع تحسين الكفاءات وزيادة الكميات في هذا الإطار.
وبين بايرام في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن هناك تشغيلا وتطويرا لأداء أجهزة الطرد المتطورة التي تسمى "أي . أر - 6 " وما شابه، واستفادت من تقييد التعامل الرقابي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ضمن ما يعرف بـ"تقليص الوصول أو التأخير"؛ ما زاد الضبابية حول المخزون والمسارات، واستطاعت طهران انتهاز هذه الفرصة، من أجل تطوير التخصيب.
وذكر أن على مستوى المسار الصاروخي، قامت إيران باختيارات وتحسينات لأنظمة الصواريخ الباليستية من حيث المدى والدقة والوقود الصلب والقدرة على المناورة، لاسيما أن الصواريخ هي الحلقة المكملة لأي قدرة نووية مستقبلية، وذلك بجانب تطوير مركبات إطلاق فضائي تستخدم بشكل مدني ظاهريا، لكنها تحمل تراكم خبرات كبيرة قابلة للازدواج.
ويرى بايرام أن إيران أرسلت على مستوى التصعيد السياسي إشارات مزدوجة ما بين استعداداتها للتفاوض من جهة ورفع كمية الضغط من جهة أخرى؛ ما حافظ على الردع دون كسر الخطوط الحمراء رسميا، مشيرا إلى أن الدعم النووي بشكل مدني هو واجهة شرعية لطهران عبر المفاعلات المدنية في بوشهر، للفوز بالتقنيات المرتبطة بالسلامة والوقود، مع منحها بنية تحتية وخبرة علمية هندسية بشكل متقدم.
وأوضح بايرام أن التقاطع الصاروخي العسكري حاضر بأشكال عدة من بينها الدعم الروسي عبر تقنيات مساندة مثل مواد ومحركات وأنظمة توجيه واختبارات، ضمن شبكات تعاون واسعة في ظل استفادة روسيا من المسيرات الإيرانية وقامت بتبادل تقني للمصالح
وأردف أن مساعدة روسيا لإيران يأتي في إطار التعاون في كسر العزلة الغربية في ظل معاناة موسكو وطهران من العقوبات في حين أن أي تعاون سيقلص جانبا كبيرا من الأثار، بجانب أن انشغال واشنطن بإيران، سيخفف الضغط على روسيا من جهة أخرى.
وخلص بايرام بأن إيران ستستمر في الاستفادة من مرحلة الغموض لتعظيم قدراتها النووية، في الوقت نفسه، بدعم المسار الصاروخي كعامل ردع وحماية لها، وسط توقعات بتصعيد جزئي وربما ضربات إسرائيلية لبعض المواقع.
ويؤكد الباحث في الشأن الإيراني، الدكتور محمد المذحجي، أن ما فعلته طهران في هذه الفترة، إعادة ترميم ترسانتها الصاروخية من خلال الصين التي زودتها بصواريخ متطورة، في ظل محاولة بكين في الوصول لتفاهمات متقدمة مع طهران، لجعل العلاقة الاستراتيجية قائمة ومتطورة.
وأضاف المذحجي في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن بكين تعمل على منع خروج طهران من حوزات نفوذها في المنطقة، لاسيما أن إيران بمثابة القلب النابض لمشروع "طريق الحرير الجديد" الذي سيكون حوله تغيرات إقليمية ودولية.
واستكمل المذحجي أن المنشآت النووية العلنية ومنها فوردو و نطنز واصفهان تضررت بشكل كبير في يونيو الماضي بالحرب الإسرائيلية الأمريكية، وهناك كمية من اليورانيوم المخصب دفنت تحت الأرض بعد قصف هذه المواقع، لكن إيران لديها منشآت سرية أخرى وتحتفظ فيها بمخزون من اليورانيوم، وبها معدات وأجهزة تخصيب ومعامل متطورة.
وبحسب المذحجي فإن المنشآت المتعلقة بالبرنامج الصاروخي التي تضم النوعيات المختلفة سواء الباليستية والكروز وبعيدة المدى، لم تتضرر مقارنة بالمواقع النووية الواقعة تحت الأرض وفي الجبال، والتي تعرضت إلى تدمير مداخلها في حرب الـ12 يوما، ولكن في الفترة الأخيرة، عملت طهران على ترميم ما تم تخريبه وقت الحرب من مداخل وممرات وفتحات التهوية لأجهزة تقنية بهذه المفاعلات التي تم قصفها.