كشف التصعيد الأخير بين باكستان وأفغانستان حجم الانهيار في منظومة الثقة الأمنية بين الجارتين، بعدما تحوّلت الضربات المتبادلة والاتهامات المتصاعدة إلى مؤشر واضح على احتمال انزلاق المنطقة نحو جولة جديدة من الصراع، إذا لم تُضبط الحدود ويُكبح نشاط الجماعات المسلحة.
وبحسب "الغارديان"؛ فإن المواجهات بين الجارتين تصاعدت عقب تفجير انتحاري استهدف مقر قوات الشرطة الفيدرالية شبه العسكرية الباكستانية في بيشاور، وردّت إسلام آباد بسلسلة ضربات داخل الأراضي الأفغانية أسفرت عن مقتل 10 مدنيين بينهم 9 أطفال؛ ما فجّر موجة غضب عارمة في كابول واتهامات مباشرة من طالبان لباكستان بانتهاك سيادة أفغانستان.
وبينما التزمت الحكومة الباكستانية الصمت حيال الغارات، فإنها سارعت لاتهام مهاجمي بيشاور بأنهم «قادمون من أفغانستان»، معتبرة أن الهجوم نفذته شبكات مرتبطة بـ«تحريك طالبان باكستان» التي تقول إنها تعمل من داخل الأراضي الأفغانية.
ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم لكن قناة "بي تي في" التلفزيونية الباكستانية ذكرت أن المهاجمين مواطنون أفغان وألقى الرئيس الباكستاني آصف زرداري باللوم على "فتنة الخوارج المدعومة من الخارج"، وهو المصطلح الذي تستخدمه إسلام آباد للإشارة إلى مسلحي حركة طالبان الباكستانية الذين تتهمهم بالعمل انطلاقًا من الأراضي الأفغانية، والذين يتلقون توجيهاتها في كل خطوة من القيادة العليا المتمركزة في أفغانستان.
ويرى الخبراء أن التفجير الانتحاري الأخير في إسلام آباد، أعاد إحياء الاتهامات القديمة التي تتهم كابول بغضّ الطرف عن الجماعات التي تشن هجمات دامية داخل باكستان، وبالمقابل، ترفض طالبان الاتهامات، وتتهم إسلام آباد بإيواء مجموعات مسلحة معادية لأفغانستان.
وكشفت مصادر أن هذا التبادل الحاد في الخطاب السياسي والأمني يأتي في ظل تاريخ متوتر أصلاً منذ سيطرة طالبان على الحكم في 2021، وتفاقم أكثر مع اشتباكات حدودية دامية في أكتوبر خلّفت نحو 70 قتيلاً قبل أن تتدخل قطر وتركيا لوقف النار، من دون الوصول إلى اتفاق طويل الأمد.
ووبحسب محللين فإن فشل محادثات إسطنبول الأخيرة عكس استمرار الهوة بين الجانبين، خصوصًا حول مطلب باكستان بوقف نشاط «الخوارج» داخل أفغانستان، وهو مطلب تصفه كابول بأنه «تجاوز للسيادة».
بهذا المشهد، تبدو المنطقة أمام معادلة أمنية متدهورة؛ فكل هجوم داخل باكستان يُترجم باتهامات لأفغانستان، وكل غارة جوية تُقابلها اتهامات بانتهاك الحدود، وإذا استمرت الضربات المتبادلة وتنامي نشاط الجماعات المسلحة، فإن المنطقة تقف فعليًا على حافة دورة جديدة من العنف قد تكون أكثر اتساعًا وتعقيدًا من سابقاتها، ما لم يتحرك الوسطاء لإعادة بناء الحد الأدنى من الثقة بين الطرفين.