في مشهد غير مألوف بعالم الدبلوماسية التقليدية، نجحت السفيرة الأمريكية الجديدة لدى اليونان، كيمبرلي غيلفويل، في إحداث ضجة إعلامية واجتماعية منذ وصولها إلى أثينا، حيث تجمع بين البريق الإعلامي والمناورات الجيوسياسية رفيعة المستوى بطريقة لافتة.
غيلفويل، المذيعة السابقة في شبكة "فوكس نيوز"، والمدعية العامة التي كانت متزوجة من حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم، وارتبطت عاطفيًا بدونالد ترامب الابن، حولت العاصمة اليونانية إلى ما يشبه منصة عرض، تمزج فيها الظهور التلفزيوني اللامع بممارسة النفوذ الدبلوماسي دون اعتذار.
هبطت غيلفويل في أثينا يوم الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على متن طائرة خاصة تعود لرجل الأعمال اليوناني إريك فاسيلاتوس، لتبدأ على الفور سلسلة من الظهور العام الاستثنائي.
وبعد يوم واحد من وصولها، أقام مغنيها اليوناني المفضل، كونستانتينوس أرغيروس، حفلًا خاصًا في النادي الليلي الذي يؤدي فيه احتفالًا بقدومها، حيث تسابق الوزراء ورجال الأعمال والمصرفيون لحضور هذه الدعوة غير المعتادة.
وظهرت السفيرة مرتدية فستانًا فضيًا لامعًا ومعطفًا من الفرو، معلنة: "لن أخيب آمال الولايات المتحدة واليونان"، قبل أن تشارك في الرقصات الشعبية اليونانية التقليدية متشابكة الأذرع مع الضيوف البارزين.
ولم يتوقف الأمر عند الحفلات والظهور الإعلامي، بل رافق هذا الزخم الاجتماعي نشاط دبلوماسي مكثف.
وخلال أسبوعها الأول في المنصب، وقعت اليونان اتفاقية مع عملاق الطاقة الأمريكي إكسون موبيل لبدء الحفر البحري، وهو أول مشروع من نوعه منذ أكثر من 40 عامًا، بحضور وزير الداخلية الأمريكي دوغ بورغوم، ووزير الطاقة كريس رايت.
بعد أيام قليلة، أبرمت أثينا وكييف صفقة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال الأمريكي لمساعدة أوكرانيا في تلبية احتياجاتها الشتوية، لتصبح اليونان أول دولة في الاتحاد الأوروبي تشارك مباشرة في جهود واشنطن لاستبدال الغاز الروسي بالغاز الأمريكي المسال.
وفي عشاء أقامته السفارة مع القادة السياسيين ورجال الأعمال، كانت غيلفويل صريحة في أولوياتها قائلة: "إذا اشتريتم الغاز الطبيعي المسال منا، سأدعوكم مرة أخرى، وإلا... فأنتم خارج قائمة الضيوف".
وأثارت غيلفويل غضب الصين في أول مقابلة إعلامية لها، حين وصفت ملكية الصين لميناء بيرايوس بأنها "مؤسفة"، ولوحت بإمكانية "حلها" عبر بيع محتمل.
وردت بكين بوصف التصريحات بـ"التشهير الخبيث" و"التدخل الخطير في الشؤون الداخلية اليونانية".
بعد الجدل بوقت قصير، عجّلت أثينا بخطط إنشاء ميناء جديد مدعوم أمريكيًا في إليفسينا، وهو مشروع أُقر في البرلمان بسرعة دون طرح مناقصة، ما أثار انتقادات أحزاب المعارضة التي وصفت الخطوة بأنها غامضة وذات دوافع سياسية.
وقالت عضوة حزب باسوك الاشتراكي المعارض والمفوضة الأوروبية السابقة، آنا ديامانتوبولو: "نحن لسنا دولة تعلن فيها السفيرة عن السياسات، ألا يجب أن نناقشها في البرلمان كدولة؟"
من جانبه، انتقد زعيم حزب سيريزا اليساري المعارض، سوكراتيس فاميلوس، صفقة إكسون قائلًا: "رئيس الوزراء اليوناني ينحني لمصالح الشركات الأمريكية، ونحن نرى بلدنا يتحول إلى بوابة للغاز الطبيعي المسال الأمريكي".
ويمثل استقبال غيلفويل الحار تناقضًا صارخًا مع النظرة التاريخية للولايات المتحدة في اليونان، حيث اتسمت العلاقة لعقود بعدم الثقة، من الغضب بسبب الدعم الأمريكي للمجلس العسكري في الفترة بين 1967-1974، إلى الاحتجاجات الشعبية ضد القواعد الأمريكية في الثمانينات.
لكن هذه الديناميكية تغيرت بعد أزمة اليونان المالية الطويلة، حيث اتخذت واشنطن موقفًا أكثر تعاطفًا، بينما فرضت أوروبا تقشفًا قاسيًا، وتعمقت الروابط الدفاعية بشكل كبير.
وبحلول عام 2022، منحت أثينا الولايات المتحدة وصولًا مفتوحًا إلى أربع قواعد رئيسة.
غيلفويل، التي نسي الكثيرون وصفها لليونانيين عام 2015 بـ"المتطفلين" الذين يجب معاقبتهم، تأمل الآن في استضافة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإلقاء خطاب عند الأكروبوليس، في مشهد يختصر التحول الدراماتيكي في العلاقات بين البلدين.