واصلت الولايات المتحدة تعزيز نفوذها في أمريكا اللاتينية من خلال نشر قوة عسكرية متعددة الجنسيات ضمن مناورات UNITAS 2025، التي تعد أطول مناورة بحرية سنوية متعددة الجنسيات في العالم منذ انطلاقتها عام 1960.
تظهر الصور مشاركة حاملة الطائرات النووية "يو إس إس هاري إس ترومان"، بالإضافة إلى غواصة هجومية نووية مسلحة بصواريخ توماهوك، إلى جانب سفن وطائرات متعددة من 26 دولة، بمشاركة حوالي 8000 جندي.

وتركز المناورات على تعزيز التوافق العملياتي وبناء شراكات إقليمية، وسط تصاعد التوترات في المنطقة، ولا سيما قرب فنزويلا، حيث عزز البنتاغون انتشاره العسكري في إطار عملياته المكثفة ضد عصابات المخدرات.
تعني كلمة "يونيتاس" الوحدة أو التوحد، وتوضح الطبيعة الرمزية للمناورة التي تهدف إلى توحيد القوات المشاركة وتأكيد الالتزام بالقيم المشتركة للدفاع عن الحرية والاستقرار الإقليمي والعالمي.
في الوقت نفسه، وسعت الصين نفوذها في المنطقة عبر الحوار الأمني والدفاعي، حيث استضافت بكين المنتدى الدفاعي السادس رفيع المستوى بين الصين ودول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، بمشاركة مسؤولين دفاعيين وعسكريين من 18 دولة.
وصرح وزير الدفاع الصيني دونغ جون بأن الصين تسعى لتعزيز العلاقات الدفاعية القائمة على الثقة المتبادلة والمرونة والفاعلية العملية.
وأشارت وكالة "شينخوا" الصينية إلى أن دول أمريكا اللاتينية تنظر إلى الصين كشريك موثوق، وتحرص على تطوير الثقة والصداقة مع الجيش الصيني.
ويُظهر هذا التوجه الصيني أن النفوذ لا يقتصر على القوة العسكرية المباشرة فحسب، بل يشمل بناء شبكة علاقات استراتيجية عبر التعاون الدفاعي والثقافي، وإرسال إشارات واضحة للولايات المتحدة حول قدرات بكين على المنافسة في مجال الأمن الإقليمي.
تعتبر الولايات المتحدة المناورات العسكرية وسيلة لإظهار الالتزام بالأمن البحري والاستجابة للأزمات، كما قال بيان القيادة الجنوبية للقوات البحرية الأميركية، مؤكدة أن التدريبات تشمل عناصر ثقافية وتاريخية لتقوية الروابط بين الدول المشاركة.
من جانبها، شددت الصين على معارضتها لأي تدخل خارجي في شؤون فنزويلا أو استخدام القوة من جانب واحد، مؤكدة دعم التعاون الدولي لمكافحة الجرائم العابرة للحدود الوطنية، بحسب تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان.
تكشف هذه التطورات عن سباق مزدوج بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ في أمريكا اللاتينية: القوة العسكرية الأميركية على الأرض والبحر، مقابل القوة الدبلوماسية الصينية والوجود الرمزي من خلال المنتديات والمشاريع المدنية، مثل السفن الطبية والبرامج الثقافية.
وتبرز التفاعلات الأخيرة كيف يحاول كلا الطرفين فرض رؤيتهما الاستراتيجية في منطقة كانت لفترة طويلة جزءًا من مجال النفوذ الأميركي التقليدي، ولكنها الآن مسرح لصراع نفوذ متعدد الأبعاد.
يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية قدرة الولايات المتحدة على تعزيز نفوذها العسكري والتدريبي في المنطقة، وسط التوسع الصيني المستمر.
هل ستنجح المناورات السنوية والوجود البحري الأميركي في مواجهة النموذج الصيني القائم على الدبلوماسية العسكرية والتعاون الإقليمي؟ أم أن الصين ستتمكن من تقديم نموذج بديل يعزز نفوذها في البحر الكاريبي وأميركا اللاتينية، ويقلص من الحصة الأميركية التقليدية؟
يتضح أن المنافسة لن تقتصر على عرض القوة العسكرية، بل ستشمل استراتيجيات ذكية للسيطرة على العلاقات السياسية والأمنية والثقافية في المنطقة، لتصبح أميركا اللاتينية ساحة اختبار حقيقي للتوازن بين القوة المباشرة والقدرة على بناء النفوذ طويل الأمد.