الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض طائرتين مسيّرتيْن تم إطلاقهما من اليمن
تقول السلطات الأسترالية إنها تملك ما يكفي من الأدلة لتوجيه أصابع الاتهام إلى إيران بالوقوف وراء سلسلةٍ من الهجمات ذات طابع معادٍ للسامية شهدتها البلاد خلال الأشهر الأخيرة.
ورغم أنها لم تكشف علنًا عن تفاصيل الأدلة التي استندت إليها، فإن القرار الرسمي يعكس قناعة في كانبيرا بأن طهران تقف خلف هذه العمليات.
وبحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية، فإنه وبالنسبة لأستراليا، التي لم تكُن في يوم من الأيام ساحة رئيسية للمواجهة مع إيران، فإن ما حدث يشير إلى تحوّل لافت في نطاق العمليات الإيرانية الخارجية؛ إذ إن انتقال أنشطتها إلى أقصى الجنوب، في قارةٍ بعيدة مثل أستراليا، يبدو وكأنه محاولةٌ لإثبات الوجود أكثر مما هو إستراتيجية فعّالة.
الخبراء الأستراليون يُدركون أن توجيه اتهامٍ بهذا الحجم ليس قرارًا سياسيًّا فحسب، بل خطوة مبنية على ثقة بوجودٍ دلائل ملموسة؛ فـ"الأستراليون ما كانوا ليتخذوا هذه الخطوة لولا أنهم واثقون بدرجة كبيرة من مسؤولية إيران"، كما يقول ماثيو ريدهد، الخبير في شؤون التهديدات بمعهد الخدمات الملكية المتحدة في لندن.
من زاوية أستراليا، فإن هذه الهجمات تُمثِّل تحديًا مباشرًا لأمنها الداخلي ولسيادتها الوطنية؛ فبلدٌ لم يكن في حسابات إيران الأمنية بات فجأةً مستهدفًا من خلال عمليات إحراق مراكز يهودية وتخويف الجاليات، في مشهدٍ لا يهدف إلى زرع الخوف فحسب، بل أيضًا إلى إحداث شرخ اجتماعي يمكن أن يضعف وحدة المجتمع الأسترالي، على حدِّ زعمهم.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن السلطات الأسترالية ترى أن هذه الهجمات ليست مجرد أحداثٍ معزولة، بل امتدادٌ لسياسة إيرانية قديمة تعود إلى ما بعد الثورة الإسلامية عام 1979؛ فمنذ ذلك الحين، اعتمدت طهران على ما تُسمّيه كانبيرا "إستراتيجية الخاصرة الرخوة"لـ"ضرب الأهداف السهلة في الخارج لتعويض ضعفها في ساحة القتال التقليدي"، على حدِّ وصفِها.
التقديرات الدولية، التي تستند إليها أستراليا، نقلها باحثون حدَّدوا أكثر من 200 مخطط مرتبط بإيران حول العالم منذ 1979، وأفادت واشنطن وحلفاؤها بارتفاعٍ حاد في هذه المؤامرة في السنوات الأخيرة، بينها 33 محاولة اغتيال أو اختطاف في الغرب فقط منذ 2020، وبالنسبة للسلطات المحلية في كانبيرا فإن هذا الرقم يكشف نمطًا إيرانيًّا متكررًا من استهداف الخصوم عبر "الحرب في الظل".
ومن وجهة نظرٍ أسترالية، فإن هذه العمليات تأتي في توقيت لافت؛ فبعد الحرب القصيرة بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهةٍ أخرى في يونيو الماضي، خرجت طهران بخسائر واضحة، خصوصًا في برنامجها النووي، ورغم الوعود الإيرانية بـ"عواقب أبدية" ضد واشنطن، ترى كانبيرا أن الواقع يكشف غير ذلك "طهران تُواصل برنامجها الاعتيادي من الهجمات الصغيرة"، لكنها عاجزة عن تحقيق انتصارات ملموسة على الساحة الكبرى.
من زاوية أستراليا، فإن استهداف أراضيها لم يكُن تعبيرًا عن توسع القوة الإيرانية، بل أقرب إلى رسالة يأس؛ فلو كانت لدى طهران إمكاناتٌ حقيقية في ساحات المواجهة الرئيسية، لما اضطرت إلى إقحام دولةٍ بعيدة مثل أستراليا في هذا الصراع، ويقول ريدهد: "الهجمات في أستراليا بدت وكأنها مؤشِّرٌ على يأس الإيرانيين أكثر من كونها دليل قوة".
ونقلًا عن "الغارديان"، فإن كانبيرا تقرأ ذلك على أنه محاولةٌ من إيران لإظهار أنها ما زالت قادرة على التحرك عالميًّا، لكن من دون أن تكون هناك خطة إستراتيجية واضحة، إنها رسالة "نحن موجودون"، لكنها لا تعكس قدرة حقيقية على إحداث تغيير في موازين القوى.
ترى أستراليا أن الهدف المباشر لهذه العمليات هو بث الرعب داخل الجاليات اليهودية، إلى جانب محاولة خلق توتر مجتمعي يمكن أن يضعف الاستقرار الداخلي، لكن أبعد من ذلك، تدرك كانبيرا أن إيران تسعى لاستخدام هذه العمليات كأداة دعائية في الشرق الأوسط، لإقناع جمهورها المحلي والإقليمي بأنها ما زالت تخوض "المعركة".
ومع ذلك، فإن اعتماد إيران على شبكات الجريمة المنظمة في أوروبا لتنفيذ بعض هذه المخططات يُثير في نظر الأستراليين علامة استفهام إضافية؛ فإذا كان لدى الحرس الثوري أو وزارة الاستخبارات الإيرانية أصول كافية على الأرض، لما اضطرت طهران إلى الاستعانة بوسطاء غير موثوقين، وهو ما تراه كانبيرا دليلاً آخر على تراجع القدرات الإيرانية.
بالنسبة لأستراليا، فإن المسألة لا تتعلق فقط بالهجمات نفسها، بل بما تمثله من سابقة خطيرة. فهي إشارة إلى أن طهران لم تعد تكتفي بالساحات التقليدية في الشرق الأوسط وأوروبا، وأنها مستعدة لمد نشاطها إلى أماكن لم تكن على خريطتها سابقًا. هذا يعني، من منظور كانبيرا، أن أمنها الداخلي بات جزءًا من صراع خارجي لا ناقة لها فيه ولا جمل.
وبحسب مصادر، فإن السلطات في أستراليا ترى أن ما جرى لا يعدو كونه محاولةً إيرانية لإثبات الحضور بعد سلسلةٍ من الهزائم والتراجعات، وقد تُحقِّق هذه العمليات أثرًا نفسيًّا في المجتمعات المستهدفة، لكنها في جوهرها تكشف هشاشةً بنيوية في قدرة إيران على المواجهة المباشرة، وبالنسبة لأستراليا، فإن الدرس الأهم هو أن أيّ دولة، مهما ابتعدت جغرافيًّا عن بؤر التوتر، قد تجِد نفسها في مرمى سياسة "الحرب في الظل" التي تتبناها طهران.