يرى محللون أن إعادة هيكلة الحزب الاشتراكي الموحد في فنزويلا تمثل خطوة استراتيجية للرئيس نيكولاس مادورو لمواجهة الضغوط الداخلية والخارجية في آن واحد، وإحباط أي مخططات للانقلاب.
وأكدوا أن تشكيل مكتب سياسي جديد للحزب الاشتراكي بدعم من الأمين العام ديوسدادو كابيو، المعروف بـ"الرجل الثاني" في البلاد، يشكل اتفاقا نخبويّا ظرفياً لمواجهة أي خطط للانقلاب على مادورو وإحداث انقسامات داخل قيادات النظام العسكري والسياسي.
وأعلن مادورو تشكيل مكتب سياسي جديد للحزب الاشتراكي الموحد، المكلف بقيادة العمل السياسي والتنظيمي للثورة البوليفارية.
ويعد ديوسدادو كابيو، المعروف بـ"الرجل الثاني" في النظام، سياسيًا وعسكريًا بارزًا يشغل مناصب مهمة تشمل وزارة الداخلية والعدل، إلى جانب كونه الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد. وشغل سابقًا رئاسة الجمعية الوطنية ورئاسة الجمعية التأسيسية الوطنية.
ويرى أستاذ التواصل السياسي في جامعة كادس بإشبيلية الإسبانية والخبير في الشؤون الدولية، الدكتور محمد المودن، أن إعادة هيكلة الحزب الاشتراكي الموحد تندرج ضمن عمليات واسعة لتنسيق عميق للحزب، تمت الموافقة عليها في مؤتمره الأخير، إذ منح الرئيس نيكولاس مادورو صلاحيات واسعة لتصميم الهيكل وتعيين الكوادر في جميع المستويات من جديد، مع خطاب يركز على الحوار والوحدة في مواجهة الحصار الأمريكي.
وأوضح المودن، لـ"إرم نيوز"، أن ديوسدادو كابيو يظل علنًا الرقم 2 في السلطة وأمين عام الحزب وكفيل الوحدة، مما يشير إلى أن الإصلاح يُقدم للخارج كحركة منسقة وليس كانفصال مفتوح.
وأضاف أن أبحاثًا أكاديمية خاصة بحكم كراكاس العام الماضي أشارت إلى وجود توترات خفية بين مراكز القوى لمادورو وكابيو، إلى جانب مناورات مادورو لبناء قاعدته الخاصة وتنظيم وزن كابيو داخل الجهاز، وهو ما انعكس في بعض الحوادث الأخيرة مثل الإلغاءات العلنية لشخصيات قريبة من مادورو أو عائلته، ما أظهر قدرة كابيو على وضع الخط وتأديب الجهات الأخرى، مؤكدًا أن العلاقة بين الطرفين قائمة على توازن دقيق أكثر من تبعية كاملة.
وأشار المودن إلى أن ما يعمل عليه مادورو في ظل القرارات الأخيرة للحزب هو محاولة إعادة توحيد المنصة وتنويع الولاءات، وتجنب تركيز السلطة العضوية في يد فاعل واحد، في ظل ما تمر به البلاد من ضغط خارجي مكثف وتصعيد أمريكي في منطقة الكاريبي مرتبط بخطاب مكافحة المخدرات، مع وجود نقاش دولي حول إمكانية تغييرات في القيادة الحاكمة.
وأكد أن إعادة الهيكلة تهدف إلى إدخال حوافز للكوادر وتعكس مرونة تكتيكية في الحكم دون التنازل عن نواة السلطة، في حين يمكن أن تعمل القيادة الحزبية بعد تجديدها كإشارة خارجية للتشديد المنضبط، وأيضًا كآلية للحماية الداخلية أمام أي قصور محتمل ناتج عن الضغط الأمريكي.
ولفت المودن إلى أن ما قام به مادورو على الصعيد الحزبي بمثابة أداة لإدارة المنافسات الداخلية والرد على التهديدات الخارجية، مع إعادة شرعنة المشروع السياسي للنظام أمام قاعدة اجتماعية متآكلة.
وخلص إلى أن استهداف إعادة تنظيم جميع مستويات الحزب، مع تأييد كابيو لهذه الخطة وترسيمها في مواجهة الولايات المتحدة، يشير إلى إتمام اتفاق نخبوي ظرفي يهدف إلى تقليل التكلفة السياسية للضغوط الدولية وإعادة رسم التوازنات داخل أيديولوجيا تشافيز، وهو ما يصنف على أنه قرار بإعادة هندسة حزبية تهدف إلى بقاء النظام.
بدوره، يرى الباحث في الشأن اللاتيني ماهر بكري أن إعلان الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو تشكيل مكتب سياسي جديد للحزب الاشتراكي الموحد يشكل إجراءً وقائيًا لمواجهة خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي أوكلت لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي.آي.إيه" تنفيذها داخل الأراضي الفنزويلية، وتستهدف السيطرة على كبار رموز النظام والانقلاب على مادورو.
وأضاف بكري، لـ"إرم نيوز"، أن هذه الخطط تهدف إلى إحداث انقسامات بين قيادات النظام وانشقاقات في القيادة العسكرية العامة، ما دفع مادورو لاتخاذ إجراءات واسعة لحماية موقعه، خصوصًا من أي محاولة لاستهداف ديوسدادو كابيو لاستخدامه كأداة لانقلاب ناعم يطيح به، ضمن تفاهمات محتملة بين واشنطن وكراكاس لإعادة صياغة السياسات الأمريكية في فنزويلا وتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية واستراتيجية.
وأشار بكري إلى أن هذه الإجراءات الحزبية تهدف أيضًا إلى منع أي محاولة للانقضاض على صلاحيات مادورو داخليًا، عبر إعادة ترتيب مساحات السلطة تحت مظلة شرعيته، خاصة في ظل الضغوط الداخلية الاقتصادية والسياسية التي قد تهدد استقرار النظام إذا استغلت من قبل شخص قوي مثل كابيو. وتوقع أن يكون تشكيل المكتب السياسي الجديد نتيجة تنسيق دولي بين روسيا والصين مع رموز النظام، لإقناعهم بالتكاتف والعمل في مسار واحد ومنع أي انقسام قد يخدم أهداف ترامب.