تحوّلت قوانين مكافحة الاحتجاج في جورجيا إلى أدوات لترهيب المواطنين وخنق المعارضة، بينما يصر الشارع على التعبير عن رفضه رغم القمع والاعتقالات؛ ما جعل البلاد في لحظة حاسمة بين بقاء هامشها الديمقراطي وتكريس حكم سلطوي متنامٍ.
فبعد انتخابات البلدية التي جرت في الـ4 من أكتوبر، صعّدت الحكومة، بقيادة حزب "الحلم الجورجي"، حملتها ضد المتظاهرين؛ فقد أقر البرلمان مجموعة من القوانين التي تتيح توقيف المحتجين، وفرض عقوبات صارمة تصل إلى السجن، لمجرد ارتداء كمامات، أو حمل غاز مسيل للدموع، أو الوقوف في منتصف الطريق أثناء التظاهرات..
وفي الأسابيع الأخيرة، شهدت العاصمة تبيليسي اعتقال عشرات الأشخاص، من بينهم صحفيون ومدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء، على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات اليومية.
وبينما لم تكتفِ القوانين الجديدة بتجريم المظاهر البسيطة للاحتجاج، فإن صلاحيات القضاء والشرطة توسّعت؛ فقد نصت التشريعات على أن المشاركين لأول مرة يمكن أن يواجهوا السجن الإداري لمدة تصل إلى 15 يومًا، فيما يُعامل تكرار المشاركة في الاحتجاجات كجريمة تصل عقوبتها إلى سنة، وقد تتضاعف في حالة الانتهاكات المتكررة لتصل إلى عامين، كما ألغت القوانين قدرة القضاة على فرض الغرامات، لتصبح السجون الوسيلة الرئيسة للتعامل مع المحتجين.
وأفادت تقارير من منظمات غير حكومية بانتهاكات متكررة لحقوق المحتجزين، بما في ذلك حرمانهم من الاتصال بمحامين أو أفراد عائلاتهم قبل جلسات المحكمة، وتسريع المحاكمات، وتقديم ملفات القضايا فقط خلال الجلسة؛ ما يثير مخاوف من تقييد استقلال القضاء وتسييس العملية القانونية.
ورغم هذه القيود، لم تنجح الحكومة في كبح الحراك الشعبي؛ فمنذ 28 نوفمبر 2024، يتجمع المحتجون يوميًا أمام مبنى البرلمان، مطالبين بإجراء انتخابات جديدة والإفراج عن جميع المعتقلين على خلفية القوانين الجديدة.
ومع تزايد الإجراءات القمعية التي شملت حظر المؤشرات الليزرية والمواد النارية، ومنع تغطية الوجه، وزيادة الغرامات على إغلاق الطرق، وإدخال عقوبات إدارية وجنائية، يصر الشارع على الاستمرار في الاحتجاج، معتبرًا أن التضييق الحكومي لم يفلح في كسر إرادتهم.
وهذه الأحداث تضع جورجيا على مفترق طرق، بين استمرار ممارسة الديمقراطية الحقيقية والقيود التي تفرضها السلطة الحاكمة على المجتمع المدني، وبين شوارع تبيليسي التي ترفض الصمت وتصر على أن يكون صوتها مسموعًا رغم القيود والسجون.