logo
العالم

بكين ترفض لعبة موسكو النووية.. هل يتحول الاصطفاف إلى خلاف؟

بكين ترفض لعبة موسكو النووية.. هل يتحول الاصطفاف إلى خلاف؟
بوتين وشي جين بينغالمصدر: الإنترنت
29 أغسطس 2025، 3:10 م

في ظل توتراتٍ عالمية متصاعدة، يبرز التعاون العسكري والأمني بين الصين وروسيا كأحد أبرز المحاور في إعادة رسم خريطة القوة الدولية.

وبحسب تقريرٍ نشره "مركز تحليل السياسات الأوروبية"، فإن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موسكو في مايو 2025، والتي أعقبتها تصريحات مشتركة عن تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدَين، سلَّطت الضوء على توطيد العلاقات بين قوتَين كبريَتَين تتشاركان مخاوفهما من النفوذ الأميركي، إلَّا أن ما يكشفه تحليلٌ أعمق هو أن هذا التحالف، الذي يصِفُه البعض بـ«شراكةٍ بلا حدود»، يظلُّ محددًا بشكلٍ واضح عندما يتعلَّق الأمر بالأسلحة النووية واستخدامها كأداةٍ للابتزاز.

ويرى خبراء أنه بينما تدفع موسكو بتكتيكات الابتزاز النووي في الحرب على أوكرانيا، فإن بكين تُظهِر حذرًا واضحًا؛ فالأخيرة وفقًا لما تراه قيادتها، لا تزال متمسكةً بسياسة «عدم البدء باستخدام السلاح النووي»، حتى في ظلِّ تطوير ترسانتها، وهذه السياسة ليست مجرَّد شعارٍ، بل إنها تعكس ثقافةً إستراتيجية طويلة الأمد ترى في النووي أداةً للردْع لا للتهديد المباشر، وهو ما يضع بكين في موقفٍ مُغاير عن موسكو، رغم التشابه في التحديات الأمنية التي تواجههما.

أخبار ذات علاقة

الجيش الصيني

"لو فيغارو": شي جين بينغ "رائد أكبر عملية تحديث عسكري" في تاريخ الصين

وجاء في السياق أن التعاون العسكري بين الصين وروسيا في السنوات الأخيرة، شهِد تعزيزًا ملموسًا في مجالاتٍ عدة، مثل التدريبات المشتركة، وتطوير الصناعات الدفاعية، بما في ذلك الدفاع الجوي والصاروخي، لكن ما يُثير الاهتمام هو أن التعاون لا يمتد إلى دمج القدرات النووية أو التنسيق المباشر في استخدام هذه الأسلحة؛ فالعلاقة بين بكين وموسكو، التي تُعلن نفسها "بلا حدود"، تبقى محدودةً عندما يتعلَّق الأمر بأدوات الحرب الأكثر خطورة.

وبحسب مصادر مُطَّلعة، فإن الصين مع أنها تُتابع عن كثب تجربة روسيا مع التهديد النووي في أوكرانيا، وتدرس تأثير ذلك على ردود الفعل الدولية، خصوصًا من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، إلَّا أن العوامل التي تُشكِّل سياساتها النووية، اليوم، ترتبط بواشنطن أكثر مما ترتبط بموسكو؛ فعلى سبيل المثال، مشاريع الدفاع الصاروخي الأميركية، مثل بما فيها «القبة الحديدية» المخطط لها، دفعت الصين إلى مراجعة قدراتها وتطوير إستراتيجيات للردْع، وهذا يُوضِّح أن بكين ترى في واشنطن الخصْم الرئيس، بينما تُعدُّ موسكو شريكًا محدود التأثير في هذا الصدد.

أخبار ذات علاقة

بوتين وبزشكيان خلال لقاء سابق

بوتين يبحث مع بزشكيان نتائج قمة ألاسكا والنووي الإيراني

من جهة أخرى، يتميَّز هذا التحالف بتوازنه الدقيق ما بين التعاون والمنافسة داخل العلاقة نفسها؛ فبكين لا ترفض التعاون مع موسكو، بل تستفيد من خبراتها وقدراتها، كما يظهر في بعض مشاريع الدفاع الصاروخي المشتركة وتبادل المعلومات التقنية، لكنها تحتفظ بحدودٍ واضحة لضمان أن سياساتها النووية لن يتمّ السيطرة عليها من قِبَل أيِّ طرفٍ آخر، وهذه الواقعية تُظهِر أن الصين تتعلَّم من التجربة الروسية دون أن تتبنّى جميع ممارساتها، خاصة تلك المتعلِّقة باستخدام السلاح النووي للضغط السياسي.

في المقابل، يرى مُراقبون أن سياسة «عدم البدء باستخدام السلاح النووي» التي تتبناها الصين، ليست مجرَّد ورقةٍ عسكرية، بل تعكس اهتمام القيادة الصينية بالحدِّ من وقوع كارثةٍ إنسانية محتملة؛ نظرًا لأن الابتزاز النووي الروسي في أوكرانيا يُذكِّر العالم دائمًا بخطورة استخدام الأسلحة الإستراتيجية ضدَّ المدنيين والتهديد المباشر للأمن الدولي.

تظلُّ الرسالة الأبرز هي أن استمرار الشراكة الصينية-الروسية لن يعني توحيد إستراتيجياتهما النووية؛ فبكين حذرةٌ، ومهتمة بالحفاظ على مصداقية رادعها النووي دون اللجوء إلى التهديد المباشر، بينما روسيا تختبر حدود التحركات الدولية باستخدام تهديدها النووي. 

هذه الفجوة تُعطي فرصةً للدبلوماسية الغربية، التي عليها أن تفهم طبيعة هذه العلاقة المعقدة، وأن تسعى إلى التواصل مع بكين لتأكيد أن الحذر الصيني في التعامل مع روسيا سيُقابَل بالتهدئة من واشنطن وحلفائها.

وفي صعيد ذي صلة، يُسلِّط التقرير الضوء على أن التحالف بين الصين وروسيا، رغم قوته في مجالاتٍ عدة، فإنه يوضح أن بعض الحدود لا يُمكن تجاوزها بسهولة، خاصة عند الزر النووي؛ لأن هذه الحدود ليست مجرَّد سياساتٍ إستراتيجية، بل انعكاسٌ لوعي بشري بالكارثة التي يمكن أن تلحق بالعالم إذا ما اختلطت القوة العسكرية بالورقة النووية. 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC