قررت كينيا تحويل 3 قروض صينية كبرى من الدولار الأمريكي إلى اليوان، في سابقة تعد الأولى من نوعها في أفريقيا، وخطوة أثارت جدلًا واسعًا حول توازناتها بين واشنطن وبكين، بحسب "تشاتام هاوس".
ورغم أن هذا التحول يبدو ظاهريًا كميلٍ نحو الصين وابتعادٍ عن الولايات المتحدة، فإن خلفياته عكست واقعية اقتصادية أكثر من أي توجه سياسي أو محاولة لقيادة موجة "التخلص من الدولار".
من جهته أعلن وزير الخزانة الكيني جون مبادي، الشهر الماضي، أن بلاده حوّلت قروضًا بقيمة 5 مليارات دولار كانت مخصصة لتمويل مشروع السكة الحديدية القياسية بين مومباسا ونيروبي، إلى العملة الصينية، كما أن القروض الموقعة عامي 2014 و2015 مع بنك الصين للاستيراد والتصدير تمثل أكبر تمويل منفرد في تاريخ كينيا.
وفي حين بدأت إثيوبيا مناقشات مشابهة مع بكين، يرى مراقبون أن هذا التحول قد يكون بداية مسار جديد لتدويل اليوان بالقارة، خاصة أنه يأتي بالتزامن مع فتور في العلاقات بين نيروبي وواشنطن؛ ما كشف أن هذه الخطوة تهدف بالأساس إلى تخفيف أعباء الديون، وتثبيت الاستقرار الداخلي قبل انتخابات 2027.
ومنذ توليه السلطة، يسعى الرئيس الكيني وليام روتو إلى تحقيق توازن دقيق بين متطلبات الإصلاح الاقتصادي وضغوط الشارع؛ فديون نيروبي تضاعفت خلال عقد لتقترب من نصف الناتج المحلي، ومع ارتفاع الفوائد الأمريكية بشكل حاد، أصبحت القروض الصينية أكثر كلفة مما كان متوقعًا.
ويرى الخبراء أن القروض التي كانت تُسدد بفائدة تقارب 4% العام 2019 تجاوزت 8% بحلول 2023، لكن تحويلها إلى اليوان أعادها إلى معدل فائدة ثابت يبلغ 3%؛ ما سيوفر على كينيا نحو 215 مليون دولار سنويًا.
وهذا التوفير المالي، إلى جانب إصدار سندات "يوروبوند" بقيمة 3 مليارات دولار وقرض إماراتي كبير، شكّل إستراتيجية الحكومة لتفادي ضغوط صندوق النقد الدولي وشروطه القاسية التي أثارت احتجاجات واسعة منتصف 2024.
من الجانب الصيني، تمثل هذه الخطوة دعمًا مباشرًا لمساعي بكين لتوسيع استخدام عملتها عالميًا؛ فالصين تسعى، منذ سنوات، إلى تعزيز مكانة اليوان في التجارة الدولية والاحتياطات النقدية، لكن حصته العالمية لا تزال عند حدود 2%، ومع أن كينيا تحتفظ بنحو 10-15% من احتياطاتها باليوان، فإن البنك المركزي الكيني أكد أن الخطوة لا تعني التخلي عن الدولار.
ومع ذلك، يطرح التحول إشكالية جديدة: كينيا تعاني من عجز تجاري ضخم مع الصين بلغ العام الماضي أكثر من 3 مليارات دولار؛ ما يعني أن البلاد قد تجد صعوبة في الحصول على ما يكفي من اليوان لسداد التزاماتها مستقبلاً، خاصة إذا لم تتغير شروط التجارة أو ترتفع صادراتها إلى السوق الصينية.
وتحاول نيروبي معالجة هذه المعضلة عبر طرح فكرة إصدار "سندات باندا" داخل السوق الصينية لتمويل المرحلة الثانية من مشروع السكة الحديدية، وهو ما يعكس اتجاهاً متزايداً نحو الاعتماد على أدوات مالية صينية.
وفي ضوء ذلك، يرى محللون أن الخطوة الكينية لا تمثل تحديًا للدولار بقدر ما تعكس واقعًا اقتصاديًا متغيرًا في أفريقيا، حيث تبحث الحكومات عن بدائل مرنة وسط تصاعد الأزمات المالية وتراجع الالتزام الأمريكي في القارة.
وبالنسبة للرئيس روتو، فإن النجاح في تهدئة الأسواق وخفض التضخم ليس كافيًا؛ فالرهان الحقيقي سيكون في خلق فرص عمل، وتنفيذ مشاريع ملموسة لإرضاء المواطن العادي، ومالم تقدم واشنطن بدائل واضحة، فقد تجد بكين الطريق مفتوحًا لتعميق نفوذها الاقتصادي في نيروبي.