تزداد الهوة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عمقاً مع اشتداد الحرب في أوكرانيا، إذ تجد بروكسل نفسها بين مطرقة الضغوط الأمريكية لتشديد العقوبات على موسكو وسندان المخاطر الاقتصادية الناجمة عن مواجهة تجارية مفتوحة مع بكين.
ووفقاً لما كشفته صحيفة "لو موند" الفرنسية، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ربط استعداده لفرض عقوبات جديدة وقاسية على روسيا بقبول حلفائه الأوروبيين وقف جميع وارداتهم من النفط الروسي وفرض رسوم جمركية قد تصل إلى 100% على السلع الصينية.
وأثار هذا الشرط المزدوج استياءً واسعاً في العواصم الأوروبية التي ترى أن الخلط بين مساري روسيا والصين يعرض مصالحها الاقتصادية والسياسية للخطر.
ويتبع ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض نهجا متردداً تجاه موسكو، إذ يرفض فرض عقوبات إضافية من دون التزامات متبادلة من دول حلف شمال الأطلسي.
وكتب مؤخراً على منصته "تروث سوشال": "لن أتخذ إجراءات إضافية ضد روسيا إلا عندما يوقف جميع أعضاء الناتو شراء النفط الروسي، وحين تفرض أوروبا الرسوم الجمركية نفسها على الصين".
لكن الموقف الأوروبي مختلف تماما. ففي بروكسل، يستعد قادة الاتحاد لإقرار الحزمة التاسعة عشرة من العقوبات ضد موسكو، والتي ستتضمن تقليص ما تبقى من واردات الغاز، وملاحقة السفن التي تنقل النفط الروسي عبر ما يُعرف بالأسطول "الشبح"، إضافة إلى تشديد الرقابة على الشركات التي تلتف على العقوبات القائمة، فيما هدف بروكسل المعلن: إضعاف الاقتصاد الروسي من دون دفع أوروبا إلى مواجهة تجارية مدمّرة مع الصين.
بدورها، ترى بروكسل أن الامتثال لشروط ترامب سيؤدي عملياً إلى خسارة أسواق حيوية في الصين، وهي الشريك التجاري الأكبر للعديد من الاقتصادات الأوروبية.
كما أن شركات السيارات الألمانية، ومجموعات الطيران والسلع الفاخرة الفرنسية، تعتمد بدرجة كبيرة على السوق الصينية.
ويدرك الأوروبيون أن بكين سترد سريعاً وبقسوة إذا فُرضت عليها رسوم أمريكية ـ أوروبية مشتركة.
من جانبها، تؤكد ستيفاني بالم، مديرة مركز البحوث الدولية في معهد "ساينس بو"، أن "من الخطير أن ترتهن السياسة الأوروبية تجاه الصين للرؤية الأمريكية وحدها". إضافة إلى أن أوروبا لا تملك رفاهية الدخول في حرب تجارية جديدة، خصوصاً بعد سنوات من الركود والتباطؤ.
وتواصل روسيا، ميدانيا توسيع نطاق هجماتها بالصواريخ والطائرات المسيّرة، فيما شهدت الأيام الأخيرة اختراقات لأجواء بولندا ورومانيا، الدولتين العضوين في الناتو.
وبينما تنظر العواصم الأوروبية إلى هذه الحوادث باعتبارها رسائل اختبار لمدى صلابة الحلف، يستخف ترامب بها واصفاً إياها بـ"الأخطاء". ويعكس هذا التباين في القراءة، فجوة استراتيجية متزايدة بين ضفتي الأطلسي.
وتمكن الاتحاد الأوروبي من خفض اعتماد دوله على النفط الروسي من 26% إلى 3% فقط، وذلك منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022، فيما تراجعت حصة الغاز الروسي من 45% إلى نحو 13% حالياً، مع خطط للتخلص نهائياً من واردات الغاز الطبيعي المسال بحلول 2027.
غير أن بعض الدول مثل المجر وسلوفاكيا لا تزال تشتري النفط الروسي، وهو ما يثير استياء في بروكسل.
في المقابل، يعكف الاتحاد على توسيع شراكاته مع قوى اقتصادية كالهند لتعويض خسائره المحتملة من الحرب التجارية الأمريكية ـ الصينية.
ويصر دبلوماسيون أوروبيون على أن الأولوية تبقى لشل قدرة روسيا على تمويل حربها، لا للانجرار وراء أجندة واشنطن الاقتصادية.
في ظل هذا المشهد المعقد، خلصت الصحيفة الفرنسية إلى القول: "تبدو أوروبا عازمة على المضي في استراتيجيتها الخاصة: تشديد العقوبات على موسكو تدريجياً، والحفاظ في الوقت نفسه على توازن دقيق مع الصين. أما ترامب، فيستغل الخلاف ليظهر أن الولايات المتحدة أكثر حزماً من حلفائها، وهو ما قد يضع العلاقات عبر الأطلسي أمام اختبار جديد في الأشهر المقبلة".