لم يؤدِّ الدمج المتسرع لميليشيا "أزاندي آني كي جيه" في الجيش الوطني في جمهورية أفريقيا الوسطى إلى تفاقم عدم الاستقرار فحسب، بل سلّط الضوء أيضاً على مخاطر عميقة في الجهاز الأمني.
وعُدّت هذه الخطوة أحدث استراتيجية ارتجلتها حكومة أفريقيا الوسطى في تعاملها مع الجماعات المسلحة، وقد كانت لها عواقب وخيمة.
وتأسست ميليشيا "جيش زاندي الأفريقي" عام 2023 على يد شبّان من قبيلة الزاندي لمواجهة متمردي "الفولاني"، وسرعان ما استقطبتها بانغي وحلفاؤها الروس في مجموعة "فاغنر".
وفي مايو/أيار 2024، جرى دمج مئتي مقاتل منها في الجيش الوطني الذي يعمل تحت القيادة الروسية، علماً بأن الشراكة الأمنية التي أقامها الرئيس فوستين أرشانج تواديرا مع موسكو بدأت منذ عام 2018.
لكن هذا الخيار، الذي كان يهدف إلى تعزيز القتال ضد اتحاد قبائل الفولاني، تحوّل إلى قنبلة موقوتة من الفوضى والعصيان والعنف ضد المدنيين الفولانيين، وصولاً إلى اشتباكات مباشرة مع القوات النظامية والميليشيات الروسية.
وكانت الحصيلة نحو 200 قتيل وآلاف النازحين خلال عامين.
فرغم النجاحات العسكرية الأولية، انقلب المسلحون على السلطات، متهمين إياها بإرسالهم إلى الخطوط الأمامية وعدم الوفاء بوعودها المتعلقة بدفع مستحقاتهم.
ووجد جيش أفريقيا الوسطى، الذي أضعفته الانقسامات ونقص الموارد، نفسه محاصراً في دوامة من العنف، بعدما تحوّل حلفاؤه إلى خصوم.
وبعد مرور 12 عاماً على انقلاب عام 2013، لا يزال تشكيل الجيش متأثراً بالانقسامات الطائفية، إذ إن دمج ميليشيات الدفاع الذاتي، بدلاً من تعزيز التماسك الوطني، فاقم التشرذم وقوّض مبادئ سياسة الدفاع التي تم تبنّيها في نهاية عام 2024، والتي كانت تهدف إلى بناء جيش محايد وممثل لجميع فئات الشعب.
ورغم التحسن النسبي في الوضع الأمني في بعض المحافظات بفضل إعادة توزيع قوات الدولة وإضعاف الجماعات المسلحة، لا تزال محافظة هوت مبومو في جنوب شرق البلاد بؤرة توتر.
وقد تؤدي الأزمات الإقليمية، ولا سيما في جنوب السودان، والانتخابات العامة المقررة في ديسمبر الجاري، إلى إعادة إشعال فتيل الصراع.
ومن خلال تحالفها مع مقاتلي "الزاندي" و"فاغنر" وبعض الجماعات المسلحة، تغاضت السلطات عن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد المدنيين.
وهذه الاستراتيجية التي يصفها مراقبون بـ "الخبيثة"، التي تتسامح مع الجرائم لسحق أي معارضة، تحوّل الجيش إلى أداة للهيمنة القائمة على الهوية بدلاً من كونه قوة لحماية المواطنين.
بدورها، دعت مجموعة الأزمات الدولية إلى "إصلاحات فنية، وتسلّيط الضوء على المسؤولية المباشرة لنظام بانغي في تصعيد العنف. فبدلاً من بناء جيش وطني، اختارت الحكومة استغلال الانقسامات العرقية لترسيخ سلطتها، متلاعبةً بالاستياء الطائفي، ومُدمجةً ميليشيات الدفاع الذاتي حسب الحاجة".
وتؤكد "الأزمات الدولية" أن "جمهورية أفريقيا الوسطى لا يمكنها الاستمرار في بناء أمنها على تحالفات انتهازية وإجرامية، فالعسكرة القائمة على الهوية طريق مسدود يزيد من تفتيت البلاد ويغذّي دوامة العنف".
ومع اقتراب الانتخابات، تواجه بانغي خياراً واضحاً: إما الاستمرار في سياسة التلاعب العرقي والاعتماد على المرتزقة الأجانب، أو الاستثمار أخيراً في جيش وطني محترف يمثل تنوّع شعب أفريقيا الوسطى.