رئيس الموساد يعتبر أن على إسرائيل "ضمان" عدم استئناف إيران لبرنامجها النووي
تُثير تجربة حزب "البديل من أجل ألمانيا"، اليمني المتطرف، تساؤلات حول التحول الذي طرأ على مزاج الناخب الألماني خلال فترة زمنية قصيرة، بعد أن أصبح الحزب الذي تأسس في العام 2013، رقمًا سياسيًا صعبًا.
وحل الحزب في المرتبة الثانية على مستوى البلاد بعد "التحالف المسيحي" في الانتخابات المبكرة الأخيرة، التي أجريت في شهر شباط/ فبراير الماضي، بحصوله على 20.8% من أصوات الناخبين بزيادة كبيرة مقارنة بـ 10.4% في انتخابات 2021.
ولم يعد منتسبي حزب "البديل" مجرد أشخاص معدودين غاضبين من سياسات الأحزاب التقليدية، أو مجموعة من حليقي الرؤوس الناقمين على الأوضاع، أو"نازيين جدد" مخدوعين، بل بات هؤلاء في قلب المشهد السياسي الألماني.
ويعزو مراقبون صعود الحزب إلى تزايد أعداد المهاجرين الذين تدفقوا إلى البلاد خاصة، في العام 2015، حين وصل أكثر من مليون لاجئ، في ظل سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، كما وصل رقم مماثل حين نشبت الحرب الأوكرانية، قبل أن تفرض السلطات، في الآونة الأخيرة، قيوداً مشددة على الهجرة.
وجد "البديل" في المهاجرين هدفاً رئيساً، فانصبت حملاته الانتخابية على معاداتهم علناً، وهو ما تناغم مع رؤية شرائح معينة من الألمان الذين وجدوا في المهاجرين عبئاً على الاقتصاد وعلى البنية التحتية والخدمات.
ويرى خبراء أن هذا العداء للمهاجرين له دوافع وخلفيات أيديولوجية، وثقافية، واقتصادية متشعبة، فبرنامج الحزب ينهض على فكر قومي ألماني يركز على "الهوية والثقافة الألمانية الأصيلة"، وهو يرى في المهاجرين تهديداً لهذه الهوية.
ولا يتردد الحزب في إظهار العداء للثقافات والديانات الأخرى، إذ يجهر بالعداء للإسلام ويعتبره غير منسجم مع القيم الألمانية، ولطالما دعا الحزب إلى منع الحجاب.
وبحسب خبراء، فإن العداء للمهاجرين لا يعد بنداً ثانوياً في أدبيات وأنشطة الحزب، بل يمثل جزءاً أصيلاً من هويته السياسية، وتكتيكاته الدعائية.
وفي مراجعة لأدبيات وتصريحات الحزب، نعثر على مطالباته بتشديد سياسات اللجوء والإقامة، وإغلاق الحدود أمام المهاجرين، وتفعيل مبدأ "الترحيل"، وهو يرفض بعناد فكرة "ألمانيا كدولة هجرة"، على عكس الأحزاب التقليدية التي تراها دولة مرحبة بالمهاجرين، ومتعددة الثقافات.
وفي الجانب الاقتصادي، يزعم الحزب أن المهاجرين يشكلون عبئًا على مؤسسات البلاد، وعلى النظام الاجتماعي في مجالات الصحة والتعليم وغيرهما، كما يشكلون ضغطاً على البنية التحتية والخدمية.
ورغم أن الاحصاءات الرسمية قد لا تدعم مثل هذه الطروحات، غير أنها تجد صدى لدى فئات من الطبقة العاملة التي تخشى من التهميش وفقدان الوظيفة، فتمنح صوتها للحزب.
ويلاحظ خبراء، في سياق تفسير صعود البديل، لجوء الحزب إلى استخدام خطاب التخويف من الغريب كوسيلة لاستمالة الناخب، ويتردد صدى هذا الخطاب في الولايات الشرقية على نحو خاص حيث البطالة والتهميش.
ويتعزز تأثير هذا الخطاب في الولايات الشرقية بسبب قلة الاختلاط بالمهاجرين الذين تستقر غالبيتهم في الولايات الغربية، خاصة نورد راين فستفالن، ما يجعل الخوف من الغريب يعتمد، لدى سكان الشرق الألماني، على الصورة الإعلامية والبيانات الحزبية لا على التجربة الشخصية.
وفي ضوء هذا الخطاب الشعبوي التحريضي، فإن جميع الأحزاب التقليدية الكبرى في ألمانيا، ترى في حزب البديل خطرا على الديمقراطية، وهذا ما يفسر رفض تلك الأحزاب لعقد تحالفات أو ائتلافات معه من أجل قيادة البلاد.
فالحزب الاشتراكي الديمقراطي، على سبيل المثال، المشارك في الائتلاف الحاكم في برلين، حاليا، يحذّر من أن نجاحات حزب البديل تعيد "فتح جراح العنصرية الألمانية القديمة"، في إشارة إلى الحقبة النازية التي جلبت الكوارث لألمانيا ولأوروبا برمتها.
ويتبنى "التحالف المسيحي"، المؤلف من الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والاتحاد الاجتماعي المسيحي - البافاري، المشارك كذلك في الائتلاف الحاكم، موقفاً مماثلاً، إذ يعتبر البديل حزباً "غير ديمقراطي"، ويرفض فكرة التحالف معه بشكل حاسم.
ومن الملاحظ أن التحالف المسيحي يسعى، في الآونة الاخيرة، إلى تشديد القيود في ملف الهجرة كيلا تفقد أصوات الناخبين المحافظين لصالح حزب البديل.
وفي الوقت الذي تظهر فيه استطلاعات الرأي أن حوالي 60% من الألمان يعارضون سياسة حزب البديل وخطابه الشعبوي، يظهر سؤال حول طبيعة الفئات التي تصوت لصالح الحزب.
من الناحية الجغرافية، فإن الولايات الألمانية الشرقية تعد المعقل الرئيس للحزب مثل: ساكسونيا، تورينغن، براندنبورغ، بسبب شعور سكان هذه الولايات بالتهميش منذ الوحدة الألمانية العام 1990.
ومن حيث الفئات الاجتماعية، فان أكثر من يصوت للحزب هم ذوو التعليم المنخفض أو المتوسط، والطبقة العاملة والعاطلون عن العمل، إذ يستغل الحزب إحساسهم بالخيبة من النخب السياسية، وقلقهم من فقدان الأمان الاقتصادي.
وتظهر دراسات أن حوالي ثلثي ناخبي "البديل" هم من الرجال، ويفسر خبراء ذلك بأن الحزب يستخدم خطاب "القوة، النظام، الحماية" الذي يجذب بعض الرجال القلقين من التغيرات الاجتماعية كقضية "النسوية"، وملف الهجرة.
ويضاف الى الفئات السابقة، المتشككون في الاتحاد الأوروبي، ذلك أن حزب البديل يعارض هذه المؤسسة، إذ يرى أن التكتل يضعف السيادة الألمانية.
وتضم القائمة التي تنتخب البديل، كذلك، الرافضين للتعددية الثقافية، والساخطين على السياسات التقليدية، إذ يلاحظ خبراء أن نسبة كبيرة تصوت للحزب كتعبير عن "الاحتجاج" فحسب، وليس عن قناعة كاملة ببرامج البديل.
ومن الملاحظ أن أحفاد "الألمان الروس" الذين هاجروا إلى روسيا والاتحاد السوفييتي السابق في القرنين 18 و19، ثم عادوا إلى ألمانيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي يمثلون رصيداً انتخابياً مهماً للحزب، ويقدر عددهم بحوالي 2.5 إلى 3 ملايين شخص في ألمانيا، منهم نحو 900 ألف ناخب محتمل.
ومن المعروف أن حزب البديل هو الوحيد الذي يطالب بوقف دعم برلين لأوكرانيا، ومواقفه أقرب إلى موسكو منها إلى كييف.
ويعمد الحزب في سبيل كسب هذه الفئة، إلى نشر محتواه الدعائي بالروسية، كذلك، ويُخاطبها عبر وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة بالروسية.
رغم صعود حزب البديل إلا أنه من الصعوبة بمكان، كما يرى خبراء، أن يصل الى سدة الحكم، فمن الناحية النظرية يمكن للحزب أن يصل إلى هذا الهدف عبر صناديق الاقتراع، غير أن ثمة عراقيل كثيرة، أبرزها وأهمها رفض الأحزاب الأخرى التحالف معه.
ويعتمد نظام الحكم الألماني غالبًا على ائتلافات تعددية وليس على حزب منفرد، بمعنى أن مجرد حصول "البديل" على نسبة كبيرة من الأصوات لا يضمن مشاركته في الحكومة إذا ظل الآخرون موحّدين ضده.
ولكن ماذا لو حقق الحزب نسبة تجاوزت الـ 50% بحيث يمكنه، عندئذ، تسمية المستشار وتشكيل الحكومة.
الواقع، وفقاً لخبراء، أن هذا الاحتمال غير وارد في المدى المنظور، لأن حصول أي حزب ألماني منفرد على أكثر من 50% من الأصوات أمر يكاد يكون مستحيلاً، فالأحزاب التقليدية الكبيرة والمكرسة عادة تتراوح أصواتها بين 20%–35%، فكيف بحزب، حديث النشأة، صعد في زمن اللجوء، أن يحقق تلك النسبة، الصعبة المنال.
ويرجح خبراء أن انتهاء أزمة اللجوء في ألمانيا وأوروبا، أو على الأقل تخفيف تأثيراتها وتداعياتها، مستقبلاً، سيبدد الكثير من رصيد "البديل" وبريقه العابر.