ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء
في خطوة وُصفت بأنها الأجرأ منذ بدء الحرب على أوكرانيا، يستعد الاتحاد الأوروبي لإصدار إعلان بحري يسمح بتفتيش أسطول الظل الروسي الذي يضم مئات الناقلات العاملة في الخفاء لنقل النفط بعيدًا عن أعين العقوبات الغربية.
ووفقاً للمراقبين، تستهدف هذه الخطوة الأوروبية الجديدة شريان الاقتصاد الروسي، في محاولة لخنق عائدات الطاقة التي يعتمد عليها الكرملين في تمويل حربه المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
ويُناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المقترح ضمن الحزمة التاسعة عشرة من العقوبات، التي تشمل تشديد الإجراءات ضد مئات السفن والشركات المرتبطة بنقل النفط الروسي.
وبحسب التقديرات، فإن أسطول «الظل» يضم بين 600 و1400 ناقلة، وترفع تقديرات أخرى العدد إلى 1800 سفينة تمثل خُمس تجارة النفط العالمية، تستخدم أعلامًا زائفة وتوقف أجهزة الإرسال لتفادي التتبع، إلى جانب عمليات تبادل نفط في عرض البحر لإخفاء منشأ الشحنات.
حتى الآن، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على أكثر من 400 سفينة مرتبطة بالأسطول، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم إلى 560 سفينة بعد اعتماد الحزمة الجديدة.
وتتضمن الإجراءات تسريع حظر واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي إلى الأول من يناير 2027، تمهيدًا لحظر كامل على استيراد النفط والغاز الروسيين بحلول نهاية عام 2027.
وشددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على أن هذه الخطوة تهدف إلى غلق الأبواب الخلفية أمام آلة الحرب الروسية، وكما وصفت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية كايا كالاس التفتيش البحري بأنه ضرورة استراتيجية لمنع التحايل على العقوبات.
وفي الوقت ذاته، تكشف الأرقام حجم التحدي الذي تواجهه بروكسل، فقد بلغت إيرادات روسيا من صادرات النفط والغاز والفحم 242 مليار يورو خلال عام الحرب الثالث 2024-2025، منها 104 مليارات من النفط الخام و75 مليارًا من المنتجات النفطية و40 مليارًا من الغاز.
وفي سبتمبر 2025، تم نقل 69% من صادرات النفط الخام الروسي عبر سفن «الظل»، ما ساعد موسكو على الالتفاف على القيود الغربية، رغم تراجع الإيرادات اليومية إلى نحو 546 مليون يورو، وهو أدنى مستوى منذ بدء الغزو.
ويُقدر الاتحاد الأوروبي أن تنفيذ العقوبات الجديدة بالكامل قد يخفض أرباح موسكو بنحو 51 مليار يورو سنويًا، أي ما يعادل 20% من عائدات الطاقة الروسية.
ورغم هذه الإجراءات، لا يزال الاتحاد الأوروبي نفسه أكبر مستورد للغاز المسال الروسي في عام 2025، إذ بلغت قيمة الواردات 4.5 مليارات يورو في النصف الأول من العام.
وفي المقابل، تواصل دول مثل الصين والهند وتركيا شراء النفط الروسي بقيمة تجاوزت 380 مليار دولار منذ عام 2023، ما يمنح الكرملين متنفسًا اقتصاديًا يمكّنه من مواصلة تمويل الحرب بتكلفة تقارب مليار دولار يوميًا.
وتحذر وثائق أوروبية من مخاطر بيئية وأمنية محتملة، إذ تُستخدم ناقلات قديمة ضمن الأسطول، ما يزيد احتمال وقوع تسربات نفطية أو حوادث تخريب كتلك التي شهدتها مياه بحر البلطيق مؤخرًا.
ومع انقسام المواقف داخل الاتحاد، خاصة من المجر التي ترفض ربط الطاقة بالسياسة، يبقى الإعلان البحري المقترح اختبارًا حقيقيًا لقدرة أوروبا على خوض مواجهة اقتصادية طويلة المدى مع موسكو.
وفي هذا الإطار، أكد كارزان حميد، الخبير في الشؤون الأوروبية، أن الموقف الغربي من الحرب الروسية - الأوكرانية يشهد تصدعات واضحة منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ما جعل توحيد المواقف واتخاذ قرارات ضد موسكو أكثر صعوبة.
وقال في حديث لـ«إرم نيوز» إن العلاقة بين واشنطن وبروكسل تسير في اتجاهات متعاكسة، فكلما اقتربت أمريكا من روسيا، صعّد الاتحاد الأوروبي مواقفه السياسية والاقتصادية، في محاولة لدفع واشنطن إلى تبني نهجه المتشدد تجاه الكرملين.
وأشار حميد إلى أن اجتماع لوكسمبورغ، المخصص لبحث العقوبات الجديدة، يناقش أيضًا السماح بتفتيش ناقلات النفط الروسية ضمن ما يُعرف بـ «أسطول الظل»، من دون أن تتضح بعد آلية التنفيذ أو هدفها الحقيقي.
وتساءل الخبير: «ماذا بعد التفتيش؟ هل سيتم احتجاز الناقلة أم الإفراج عنها؟»، معتبرًا أن أي مصادرة للشحنات ستكون بمثابة «قرصنة تحت غطاء القانون».
وأضاف أن بروكسل تدرس فرض عقوبات على الدول المتعاملة مع أسطول الظل، لكنه استبعد أن تطال العقوبات دولًا كبرى مثل الصين أو الهند، مؤكدًا أن «روسيا تمتلك مصادر تمويل متعددة تُغذي آلتها العسكرية وتجعلها أكثر قدرة على الصمود».
ولفت إلى أن بعض الدول الصغيرة تتصرف كقوى كبرى، بينما تتردد دول كبرى في اتخاذ مواقف حازمة، مشيرًا إلى أن موسكو أكثر تأثيرًا من 27 دولة أوروبية مجتمعة.
وأوضح حميد أن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى بيانات دقيقة حول حجم الأسطول الروسي، إذ تتراوح التقديرات بين 600 و1400 ناقلة، ما يعكس – بحسب وصفه – «مبالغة غربية في تصوير حجم الخطر».
وأشار إلى فشل محاولات سابقة لفرنسا وأستونيا في الحد من نشاط هذا الأسطول، بسبب «قدرة موسكو على التمويه ورفع أعلام دول مختلفة وتغيير مسارات السفن باستمرار».
ورأى حميد أن الهدف الحقيقي لاجتماع لوكسمبورغ هو فرض حصار شامل على روسيا لإجبارها على التفاوض، لكنه أكد أن بوتين لا يُعير هذه المبادرات اهتمامًا، وهو ما يصب في مصلحة ترامب الذي يستثمر ضعف الموقف الأوروبي لإحراج بروكسل.
وحذر من أن قرار تفتيش أو مصادرة السفن الروسية قد يعرض الشركات الأوروبية لنيران ردود دولية غير محسوبة، ويفتح الباب أمام أزمات جديدة في وقت يشهد فيه العالم ما يكفي من التوترات.
من جانبه، قال الدكتور سمير أيوب، الخبير في الشؤون الروسية، إن الدول الأوروبية تواصل التصعيد مع موسكو في كل المجالات، بعدما فشلت في تحقيق أهدافها في أوكرانيا رغم الدعم العسكري والمالي الكبير.
وأكد أيوب لـ«إرم نيوز» أن الهدف من دعم كييف كان إضعاف روسيا والسيطرة على محيطها الجيوسياسي، والاستيلاء على مواردها الطبيعية، لكن فشل العقوبات التي تجاوزت 23 ألف إجراء دفع أوروبا إلى البحث عن بدائل اقتصادية جديدة.
وأشار، إلى أن التركيز الأوروبي الحالي يتجه نحو استهداف صادرات الطاقة الروسية عبر مراقبة سفن «أسطول الظل» التي تنقل النفط والغاز إلى دول عديدة، رغم أن تلك السفن تتحرك في المياه الدولية، مما يجعل اعتراضها «عملاً من أعمال القرصنة البحرية».
وحذر المحلل السياسي من أن موسكو «لن تقف مكتوفة الأيدي» في حال تعرضت سفنها لأي اعتداء، مشيرًا إلى واقعة احتجاز فرنسا لسفينة روسية والإفراج عنها لاحقًا، ومتسائلًا: «هل تجرؤ أوروبا على اعتراض ناقلات روسية ترافقها بوارج عسكرية؟».
وأوضح أن أوروبا تبحث عن أدوات جديدة للضغط على روسيا دون الوصول إلى صدام مباشر، وأنها تحاول إظهار قوتها لتقويض صورة موسكو، في حين أن «الهدف الحقيقي هو بسط الهيمنة على ثروات روسيا».
وأكد أيوب أن هذه السياسات قد تفتح الباب أمام مواجهة بحرية مباشرة، إذا ما تم اعتراض أي ناقلة روسية، مشيرًا إلى أن روسيا قد توسع نطاق ردها لتشمل أهدافًا أوروبية أو دولية، ما يهدد الأمن والاستقرار العالمي.
وتابع: «إدارة الرئيس ترامب تتبنى حتى الآن نهج الحلول السلمية ولا تبدي استعدادًا للتدخل العسكري، مكتفية بتزويد أوكرانيا بالأسلحة التي يمولها الأوروبيون، مؤكدًا أن أمريكا لا تُبدي نية للمساس بأسطول الظل الروسي، بخلاف أوروبا التي تلعب بالنار في مياه مفتوحة».