ترامب يوقع أمرا تنفيذيا يجيز فرض عقوبات على دول متواطئة في احتجاز أمريكيين "بشكل غير قانوني"
منذ عقود لم تغِب الخطة المعروفة بـ "خطة بليفين"، الخاصة بإنشاء جيش أوروبي، عن أعين قادة القارة العجوز، منذ اقتراحها للمرة الأولى في خمسينيات القرن الماضي من قبل رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك رينيه بليفين.
ومع "الكسل العسكري" للدول الغربية بعد الحرب الباردة، حُبست هذه الفكرة في أدراج حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وبعد أكثر من نصف قرن من اقتراح بليفين، عادت مُجددًا فكرة إنشاء جيش أوروبي موحد، وذلك في خضم تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال ولايته الأولى، بعدم الدفاع عن دول حلف شمال الأطلسي إذا تقاعست الدول الأعضاء عن الوفاء بالتزاماتها المالية.
ومنذ هذا التهديد، بدأ قادة أوروبا التفكير في الاستعداد لدفاع دولهم عن نفسها بمفردها، وأطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعوة جريئة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، من أجل إنشاء جيش أوروبي موحد، وذلك للدفاع عن القارة التي قد تضطر لمواجهة قوى كبرى، مثل: روسيا والصين، وحتى الولايات المتحدة.
وآنذاك، قال ماكرون إن أوروبا يجب أن تحد من اعتمادها على القوة الأمريكية، خصوصًا بعد قرار ترامب الانسحاب من اتفاق مشترك مع روسيا للحد من الأسلحة النووية، كانت واشنطن وموسكو توصلتا إليه في ثمانينيات القرن العشرين، كما أنه، أي ترامب، دعا إلى أن تتكفل الدول الأوروبية في حلف الناتو بمزيد من الإنفاق وتزيد مساهمتها في الحلف.
ومُجددًا، بينما يُحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنهاء حالة الصراع الروسي الأوكراني مع اقتراب دخوله عامه الرابع، يسعى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإجهاض هذه المحاولات وحض حلفائه الغربيين على بناء جيش أوروبي لردع موسكو والتحسب للسيناريوهات الأمريكية المتوقعة بالانسحاب من الناتو.
وبعد يوم من هجوم نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، القوي على حلفاء أمريكا الأوروبيين في مؤتمر ميونيخ للأمن، دعا الرئيس الأوكراني أوروبا إلى الاتحاد خلف سياسة خارجية ودفاعية مشتركة تظهر لواشنطن أن القارة تتولى مسؤولية أمنها.
وقال زيلينسكي: "نائب الرئيس الأمريكي أعلنها بوضوح، أن عقود العلاقة القديمة بين أوروبا وأمريكا انتهت، ومن الآن فصاعدًا، ستكون الأمور مختلفة، ويتعين على أوروبا أن تتكيف مع ذلك، خاصةً أن أمريكا قد ترفض بعض القضايا التي تهدد القارة العجوز، وأن العديد من القادة الأوروبيين تحدثوا أن أوروبا تحتاج إلى بناء جيش أوروبا".
ومن جهته، قال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إن أوروبا يجب أن تتولى دورًا أكبر في حلف شمال الأطلسي وأن تعمل مع الولايات المتحدة لتأمين مستقبل أوكرانيا، ولا يمكننا أن نسمح لأي انقسامات في التحالف أن تصرف انتباهنا عن الأعداء الخارجيين الذين نواجههم.
وبدوره، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في منشور له على منصة "إكس"، إنه أكّد لزيلينسكي أن شعبه هو القادر على قيادة المناقشات من أجل سلام قوي ودائم مع روسيا، وأن باريس ستساعدهم على ذلك.
ومع هذه المطالب الأوكرانية والتأكيدات الأوروبية، يبقى التساؤل الأبرز، هل يُعاند زيلينسكي نظيره الأمريكي يمنع محاولاته للسلام؟ وما مصير دعواته لإنشاء جيش أوروبي لمواجهة روسيا وتهديدات أمريكا؟ وما موقف الولايات المتحدة الأمريكية من هذه التحركات؟
حول ذلك أكد خبراء في الشؤون الأمريكية والروسية، أن دعوات الرئيس الأوكراني لحلفائه الغربيين ببناء جيش أوروبي ليست لمواجهة التمدد الروسي وإنما لمواجهة الانسحاب الأمريكي المتوقع من حلف شمال الأطلسي، وأن هذه الدول الغربية لن تنجح في بناء جيش أو ناتو مُصغر في أوكرانيا، لأنه في هذه الحالة ستكون القوات الأجنبية أهدافًا لروسيا.
وأشار الخبراء إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يزال يرى أن روسيا وبوتين أقرب إليه فكريًّا وأيديولوجيًّا من الاتحاد الأوروبي، وأن فكرة إنشاء جيش أوروبي تأتي أيضًا بسبب خوف الأوروبيين من انهيار حلف الناتو.
قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، الدكتور نزار بوش، إن سبب الخوف الأوروبي هو الاتصال المُطول الذي جرى بين ترامب وبوتين، وخاصة بعد التصريحات المُتتالية من الرئيس الأمريكي ومساعديه بأن أوكرانيا يجب أن تتنازل عن الأراضي التي ضمتها موسكو إليها خلال العملية العسكرية في المقاطعات الأربع.
وأضاف بوش، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن التوافق الروسي الأمريكي أصبح مصدر قلق للرئيس الأوكراني هو الآخر، خاصة بعد تأكيدات نظيره الأمريكي بأن بلاده لن تدخل في حرب مع روسيا ولن ترسل قوات إلى أوكرانيا، بالإضافة إلى تراجع الدعم العسكري والمالي إلى كييف، وهو ما يعني أن أوكرانيا لن تستطيع الصمود أمام الجيش الروسي على الجبهة إذا ما توقفت أمريكا أو حتى قلصت دعمها عسكريًّا لكييف.
وأوضح بوش أن أوكرانيا الآن منهكة اقتصاديًّا وعسكريًّا، وإذا توقف الدعم العسكري الأمريكي والغربي ربما ينهار جيشها خلال شهر واحد أمام الجيش الروسي، وأن هذه المخاوف دفعت زيلينكسي إلى التصريح بالدعوة لبناء جيش أوروبي لردع روسيا، حتى يحل الغرب محل أمريكا، خاصة بعد التهديدات بانسحابها من حلف الناتو.
وتابع: "خطة بناء جيش أوروبي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في السابق حتى قام بإرسال طائرات ميراج 2000 إلى أوكرانيا مؤخرًا. وهذه الخطة لا نتيجة لها مستقبلًا".
وقال بوش إنه في حالة سحب الدعم الأمريكي عن كييف لن تستطيع الدول الغربية وعلى وجه التحديد بريطانيا وفرنسا وألمانيا تعويض الدعم الأمريكي، في مواجهة الجيش الروسي.
ومن جانبه، قال المحلل السياسي الخبير في الشؤون الأمريكية، الدكتور توفيق حميد، إن الرئيس الأوكراني لا يزال يشعر باضطراب كبير بعد الاتصال الأخير بين ترامب وبوتين، الذي كشف عن ملامح التسوية للأزمة الروسية الأوكرانية بتخلي كييف عن الأراضي التي سيطرت عليها روسيا ومنع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو.
وأضاف حميد في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن دعوة زيلينسكي لأوروبا لبناء جيش أوروبي لردع روسيا هي محاولات يائسة، بعد أن تخلت واشنطن عن دعمه عسكريًّا وماليًّا، خاصةً أن الجميع يعلم أن أوروبا بجيوشها لا تستطيع أن تقف في وجه الدب الروسي دون دعم أمريكي.
ووصف حميد دعوة زيلينسكي بأنها عملية انتحارية، وبدأ معها حلف شمال الأطلسي ينهار، وتحديدًا بعدما أعلن ترامب عن وقف الحرب واتصاله بالرئيس بوتين لإطلاق تسوية سياسية بخصوص الأزمة الأوكرانية.
وأضاف الخبير في الشؤون الأمريكية، أن ترامب يرى أن روسيا أقرب إليه فكريًّا وأيديولوجيًّا من الاتحاد الأوروبي، لافتًا إلى أن ثورة ترامب على الليبراليين في الداخل الأمريكي الذين كانوا يوجهون الولايات المتحدة وأوروبا في اتجاه محدد، مثل: عدم تحديد جنس الطفل، مع الفساد العسكري غير الطبيعي في الإدارة الامريكية السابقة وفي هيئات أخرى كثيرة، تعكس محاولاته لتغيير تلك الأيديولوجيات الغربية الأمريكية.
وتابع: "الاتحاد الأوروبي لا يزال يسيطر عليه الفكر الليبرالي والدعم المجنون للحرب الأوكرانية، وترامب يحاول الآن توجيه البوصلة نحو الروس، على حساب الأوكرانيين، وفي نهاية المطاف سوف تتراجع أوكرانيا أمام ضغوط ترامب وتقبل بالتسوية مع روسيا وفقًا للشروط الروسية الأمريكية، ومنها سيطرة روسيا على الأراضي التي ضمتها من أوكرانيا ومنع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو".