في توتر جديد بين أجنحة حزب "ريفورم يو كي" اليميني الشعبوي، فجّر تصريح بـ"قالب عنصري"، المشهد السياسي في بريطانيا، بعد أن أعرب نايجل فراج عن غضبه الشديد من سارة بوشين، النائبة الوحيدة عن الحزب من النساء، بسبب تصريحات أطلقتها وصفت بأنها "عنصرية"، انتشرت مثل النار في الهشيم.
وُصفت نائبة حزب الإصلاح بوشين على نطاق واسع في المجتمع البريطاني بأنها "عار" بعد أن قالت إن رؤية إعلانات تُظهر أشخاصًا من أصول إفريقية وآسيوية "يثير جنونها".
تصريحات النائبة بوشين المثيرة للجدل، سببت أزمة اندلعت بعد أن هاجمت، في مقابلة مع قناة "جي بي نيوز"، حملة إعلانية حكومية أطلقتها وزارة الخزانة لتبرير خفض الإنفاق العام بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني.
وتعرضت سارة بوشين لانتقادات حادة بعدما أشارت إلى أن الإعلانات التلفزيونية لا تُمثل "الشخص الأبيض العادي"، معتبرة أن ذلك نتيجة لِما وصفته بـ"تحرر النخبة المستيقظة داخل عالم الفن المتكلف"، على حد تعبيرها.
وخلال ردّها على سؤال من متصل في برنامج " Talk TV"، قالت بوشين، التي تمثل دائرة رونكورن وهيلزبي، إن هذا التوجه "قد يكون مقبولًا داخل الطريق السريع M25"، لكنه لا يعبّر عن واقع المدن الشمالية.
وأضافت: "يثير جنوني أن أرى إعلانات مليئة بالسود، والآسيويين، وأشخاص لا ينتمون إلى العرق الأبيض"، على حد تعبيرها.
وقدمت النائبة لاحقا اعتذارًا عن تصريحاتها، قائلة إنها "صيغت بشكل سيئ"، وإنها كانت تقصد التعبير عن رأي مفاده أن قطاع الإعلانات "أصيب بجنون التنوع والإنصاف والشمول".
وقالت بوشين: "هذه الحملة مخادعة تمامًا. تَستخدم أرقامًا مبالغًا فيها وصورًا درامية لتخويف الناس من (ثقب أسود) في الميزانية، بينما الحقيقة أن الحكومة تتجنب الاعتراف بإهدارها السابق".
فراج، الوجه الأبرز لـ"ريفورم" والمحرك الرئيسي لصعوده المفاجئ في الانتخابات العامة الأخيرة، أدرج بوشين ضمن قائمة المشكلات الداخلية التي تهدد وحدة الحزب، واصفًا تعليقاتها بأنها "غير مسؤولة" وتمنح منافسيه في حزب العمال ذريعة للهجوم على الحزب.
ولأن فراج يقود الحزب بأسلوب مركزي ويسعى لتحويله إلى قوة سياسية جادة، يرى أن مثل هذه التصريحات تحول الحزب إلى "مظهر المتآمرين" - أي أنه يبدو كجماعة تنشر نظريات المؤامرة بدلًا من تقديم نقد بناء مدعوم بالأدلة؛ ما يمنح حزب العمال فرصة لتصويره كـ"حزب مجنون" ويضعف مصداقيته أمام الناخبين المعتدلين.
حول هذه الأزمة المتصاعدة، قال مصدر مقرّب من فراج لصحيفة "التلغراف" البريطانية إن "نايجل غاضب لأن سارة تتجاوز الخط الأحمر. نحن ننتقد الحكومة يوميًّا، لكن لا نحتاج للقول إن كل إعلان رسمي (كذبة مدبرة). هذا يجعلنا نبدو غير مهنيين".
ورغم اعتذارها الضمني، فإن بوشين أكدت قائلة "دوري كنائبة هو كشف الحقيقة، وليس اتباع إستراتيجية حزبية. إذا كانت الأرقام الحكومية مبالغ فيها، فسأقول ذلك مهما كلف الأمر".
وفي بيان نشرته على حسابها عبر منصة "إكس"، قالت بوشين: "صياغتي لتعليقاتي كانت غير دقيقة، وأعتذر عن أي إساءة تسببت بها، وهو ما لم يكن في نيتي".
وأضافت: "ما كنت أحاول قوله هو أن عالم وكالات الإعلان البريطانية أُصيب بجنون التنوع والإنصاف والشمول، وأن كثيرًا من الإعلانات لم تعد تُعبّر عن المجتمع البريطاني ككل، وسأسعى إلى استخدام لغة أكثر دقة مستقبلًا".
ويأتي هذا الخلاف في سياق أوسع، حيث يحاول "ريفورم يو كي" توسيع قاعدته خارج الناخبين الغاضبين من الهجرة والضرائب، لكن الانقسامات الداخلية بين جناح فراج "الواقعي" الذي يركز على الاقتصاد والأمن، وأعضاء أكثر تشددًا يرون في أي تساهل "خيانة للمبادئ"، تهدد تماسك الحزب.
ويبقى السؤال المعلق، فيما لو ستضحي بوشين بموقفها للحفاظ على وحدة الحزب، أم سيصبح صوتها المستقل سببًا في أول انشقاق علني كبير داخل "ريفورم".
تصريحات بوشين التي أثارت الجدل بين النخب وحتى الأوساط المجتمعية في بريطانيا، وجَّه على إثرها وزير الصحة ويس ستريتينغ انتقادات لاذعة إلى نائبة حزب الإصلاح.
وأشار ستريتينغ إلى أن تصريحات بوشين جاءت بعد أشهر شهدت "عودة لعنصرية السبعينيات والثمانينيات التي ظننت أننا طوينا صفحتها في كتب التاريخ"، وفق قوله.
وتابع وزير الصحة البريطاني بأن "الطريقة الوحيدة لهزيمة هذه العنصرية هي فضحها ومواجهتها كما هي، وأن تقف الأغلبية الكريمة في هذا البلد ضدها، كما فعلنا دائمًا".
وكانت بوشين أثارت جدلًا سابقًا بعد فوزها بمقعدها من حزب العمال في انتخابات فرعية، حين دعت رئيس الوزراء كير ستارمر إلى حظر ارتداء البرقع "من أجل السلامة العامة" خلال جلسة أسئلة رئيس الوزراء.
وفي الأسبوع ذاته، استقال رئيس حزب الإصلاح، ضياء يوسف، من منصبه، ثم عاد إلى الحزب بعد أيام.
وقال يوسف إن بوشين كانت محقة في اعتذارها، مؤكدًا في الوقت نفسه أن من حق الناس مناقشة مسألة التمثيل في الإعلانات التلفزيونية.