تتصاعد التوترات السياسية والدبلوماسية في إسرائيل على خلفية الخطة الأمريكية الأخيرة التي تقترح مسارًا نحو إنشاء دولة فلسطينية، مشروطًا بالإصلاحات وإتمام عملية إعادة الإعمار بنجاح.
وأوضحت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن هذه الخطوة، التي يراها البيت الأبيض فرصة لتحقيق وقف طويل الأمد لإطلاق النار، تثير جدلاً واسعًا في الداخل الإسرائيلي وتضع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمام مفترق طرق حرج.
وتشكل بنود الخطة، خاصة المتعلقة بإنشاء دولة فلسطينية، نقطة خلاف جوهرية بالنسبة لنتنياهو، الذي عارض حل الدولتين طوال مسيرته السياسية.
ووفقًا للصحيفة، أكد شركاء نتنياهو في الائتلاف الحاكم من اليمين المتطرف أنهم لن يدعموا أي اتفاق يُخفف من أهداف الحرب التي تسعى إسرائيل لتحقيقها.
وقال وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير إن نتنياهو "ليس لديه تفويض لإنهاء الحرب دون هزيمة حماس"، بينما شدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على أن حزبه "لن يوافق أبدًا على دولة فلسطينية".
كما وضعت عضو الكنيست أوريت ستروك خمسة شروط صارمة، من بينها نزع سلاح حماس بالكامل، واستعادة جميع الأسرى، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية الدائمة على غزة، مع إدارة مدنية بعيدة عن السلطة الفلسطينية أو حماس؛ وأي انحراف عن هذه الشروط قد يضطر الحكومة لإعادة التفويض إلى الشعب؛ ما يزيد من هشاشة الائتلاف الحاكم.
الضغط الدولي والمفاوضات الأمريكية
تتزايد الضغوط على إسرائيل من دول الخليج والحكومات الأوروبية، التي تهدد بمقاطعات اقتصادية وإجراءات عقابية، بالإضافة إلى تعليق المشاركة في الفعاليات الثقافية والرياضية؛ ما يعكس استياء عالميًا متناميًا من الوضع الراهن.
وفي المقابل، تولي إدارة ترامب اهتمامًا خاصًا للتوصل إلى وقف إطلاق نار وحل طويل الأمد، معبّرة عن تفاؤلها بأن "الجانبين قريبان جدًا من التوصل إلى اتفاق".
وقد لعب كل من المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف وصهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر دورًا فعالًا في المفاوضات، فسافروا بين نيويورك وواشنطن، والتقوا نتنياهو مرتين للضغط من أجل الموافقة على الخطة؛ كما دعت الإدارة الأمريكية الدول العربية إلى المساهمة في التمويل وتقديم الدعم الأمني.
وبحسب الصحيفة، يبدو أن نتنياهو يتجه نحو استراتيجية المماطلة، إذ تشير مصادر مقربة منه إلى أنه قد يطلب من البيت الأبيض وقتًا إضافيًا لإجراء "تعديلات" أو تحسينات على الخطة، مع تحميل حماس مسؤولية أي جمود محتمل.
ومع ذلك، تشير المؤشرات إلى أن إدارة ترامب غير مستعدة لقبول المزيد من التأخير، بينما تستمر إسرائيل في مواجهة عزلة دبلوماسية متزايدة، مع تهديدات المقاطعة وقرارات الشركات الكبرى بتعليق خدماتها؛ ما يزيد الضغط السياسي عليها.
في الوقت نفسه، هناك أصوات داخل الحكومة تدعو إلى المرونة، مثل وزير الخارجية جدعون ساعر، الذي أعرب عن ثقته في أن رئيس الوزراء سيمثل مصالح إسرائيل في المحادثات.
كما أبدى حزب "يهدوت هتوراة"، الذي أصبح خارج الائتلاف، استعدادًا أكبر للنظر في التسوية، مع التركيز على إعادة الرهائن واستعادة الهدوء أكثر من الاهتمام بالدور الفلسطيني.
الرهائن ومصير الحكومة
يبقى مصير عشرات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة أولوية قصوى للجمهور الإسرائيلي، فوق أي حسابات سياسية.
ويواجه نتنياهو قرارًا له عواقب وخيمة: قبول الخطة الأمريكية قد يؤدي إلى انهيار ائتلافه، بينما رفضها قد يزيد عزلة إسرائيل ويؤدي إلى مواجهة مباشرة مع البيت الأبيض.
ويُمثل اجتماع واشنطن المرتقب لحظة فارقة ليس فقط لمسار حرب غزة، بل أيضًا لمستقبل الحكومة الإسرائيلية والسياسة الداخلية لرئيس الوزراء؛ فكل خطوة محسوبة في هذه المرحلة قد تغيّر موازين القوة السياسية والدبلوماسية على حد سواء.