نشر موقع "تك كابال" دراسةً حديثة أجرتها "ماستر كارد" حول الذكاء الاصطناعي في أفريقيا، تبرز إمكانات القارة لتحويل القطاعات الأساسية، مع التركيز على تبنّي الذكاء الاصطناعي المسؤول والشامل لتعزيز النمو الاقتصادي والشمول المالي وخلق ملايين الوظائف الرقمية بحلول 2030، مع دعم التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص.
وكشف تقرير "ماستر كارد" الأخير، الذي تناول جاهزية أفريقيا لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، بوضوح أن المسألة لا تتعلق فقط بالابتكار، بل بصياغة توازنات استراتيجية جديدة؛ فالدول التي تنجح في بناء منظوماتها الرقمية القادرة على إدارة البيانات، وحماية البنية التحتية، وتطوير خبراتها المحلية، ستكون أقدر على حماية استقلالها السياسي والدفاع عن مصالحها في عالم تتحكم فيه الخوارزميات بقرارات اقتصادية وأمنية في آن واحد.
فعلى سبيل المثال، في جنوب أفريقيا، حيث تجاوزت الاستثمارات 600 مليون دولار في عام واحد، تتجاوز المسألة حدود بناء شركات ناشئة إلى تعزيز دور الدولة كقوة إقليمية تملك "المفاتيح الرقمية" لإدارة شبكات حساسة، قد تكون في المستقبل بنفس أهمية شبكات الكهرباء أو أنظمة الدفاع الجوي.
أما كينيا، التي تطرح استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي، فهي لا تكتفي بخدمات مالية وصحية متقدمة، بل تسعى لتأكيد موقعها كوسيط إقليمي قادر على تصدير التكنولوجيا والضغط الدبلوماسي عبر "قوة المعرفة".
ويرى الخبراء أن الدلالة الأخطر تظهر في نيجيريا، التي تشهد ثاني أكبر عدد من الشركات الناشئة في هذا المجال؛ إذ لا ينفصل الاستثمار في الذكاء الاصطناعي عن ملفَّي الحوكمة والأمن الداخلي، فالخوارزميات التي تراقب إنفاق الأموال العامة أو ترصد تحركات السوق يمكن أن تتحول أيضًا إلى أدوات رقابية ذات بعد سياسي، تعزز قدرة الدولة على ضبط مؤسساتها، لكنها في الوقت نفسه تطرح أسئلة عن الخصوصية والحريات.
أما المغرب، الساعي لربط استراتيجيته الرقمية بمشروع "المغرب 2030"، فيبدو أنه يقرأ المشهد من منظور دبلوماسي أوسع؛ إذ إن الانخراط في الذكاء الاصطناعي لا يعني التقدم الاقتصادي فحسب، بل أيضًا توسيع النفوذ في شمال أفريقيا والتفاوض مع الشركاء الأوروبيين من موقع قوة، عبر عرض نفسه كجسر تكنولوجي لا غنى عنه.
وبحسب مصادر، فإن اللافت أن التقرير يضع إصبعه على نقطة حيوية هي الثقة؛ ففي عالم باتت فيه القرارات السياسية والعسكرية مرتبطة بتحليل البيانات وتوقع السلوكيات، فإن من يسيطر على منظومات الذكاء الاصطناعي سيكون أقدر على صياغة التحالفات والتأثير في القرار الدولي، ومن هنا، يصبح مستقبل أفريقيا مع الذكاء الاصطناعي رهينًا بقدرتها على صياغة سياسات سيادية تمنع ارتهانها لقوى خارجية، سواء كانت غربية أو آسيوية.
وفي النهاية، لم يعد الذكاء الاصطناعي في أفريقيا مشروعًا اقتصاديًا فحسب؛ بل قوة تحويلية قد تعيد رسم خرائط النفوذ في القارة، وتحدد من يمتلك زمام المبادرة سياسيًا ودبلوماسيًا ودفاعيًا، وهي لحظة فارقة قد تسهم في صياغة مستقبل القارة الرقمي بإرادة مستقلة.