كشف تقرير نشره موقع "الغارديان" البريطاني كيف تحوّل الأمازون الكولومبي، أحد أهم النظم البيئية في العالم، إلى ساحة نفوذ اقتصادي واسع لشبكات الجريمة المنظمة، مستفيدة من الفراغ الأمني الذي أعقب اتفاق السلام مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)، ومن الطلب العالمي المتزايد على الكوكايين والذهب واللحوم.
ويرصد التقرير، من خلال شهادات وخبراء بيئيين، تصاعدًا غير مسبوق في إزالة الغابات، حيث باتت مساحات شاسعة من الأدغال تُقطع لفتح طرق غير قانونية تُستخدم في تهريب المخدرات والمعادن والماشية.
ويشير رودريغو بوتيرو، مدير مؤسسة الحفظ والتنمية المستدامة، إلى أن كولومبيا تمتلك اليوم أعلى كثافة طرق داخل غابات الأمازون، معظمها شُيّد خارج أي إطار قانوني أو تنموي.
ومنذ عام 2018، أنشأت جماعات مسلحة أكثر من 8 آلاف كيلومتر من الطرق في جنوب البلاد، متوغلة في عمق الغابة التي تغطي نحو 42% من مساحة كولومبيا. هذه الشبكة لا تخدم المجتمعات المحلية، بل تُعد شرايين حيوية للجريمة المنظمة، التي تستخدمها لنقل منتجات غير مشروعة تُفاقم الدمار البيئي وتُكرّس اقتصادًا موازياً خارج سلطة الدولة.

ويؤكد التقرير أن الطلب الدولي على الكوكايين والذهب واللحوم هو محرك أساسي لهذه الظاهرة، ما يجعل المسؤولية عن تدهور الأمازون مسؤولية مشتركة تتجاوز حدود كولومبيا. ففي المنطقة الشمالية الغربية من الأمازون وحدها، تنشط نحو 17 جماعة غير قانونية في ما يقارب 70% من البلديات، وسط مستويات مرتفعة من النزاعات الاجتماعية والبيئية.
وبعد توقيع اتفاق السلام عام 2016، تراجعت سيطرة «فارك» التي كانت تحافظ، لأسباب استراتيجية، على الغابة كملاذ طبيعي. لكن انسحابها أفسح المجال لظهور جماعات منشقة وتنظيمات جديدة، مثل جيش التحرير الوطني وعصابات مرتبطة بكارتلات المخدرات، تتصارع فيما بينها على الأرض والموارد.
وتشير بيانات «غلوبال فورست ووتش» إلى أن كولومبيا فقدت بين عامي 2001 و2024 نحو 56 ألف كيلومتر مربع من الغطاء الشجري، منها 21 ألف كيلومتر مربع من الغابات المطيرة الأولية. وتحولت مساحات واسعة من هذه الأراضي إلى مراعٍ للماشية، التي تضاعفت أعدادها خلال أقل من عقد، ما سرّع وتيرة إزالة الغابات وتلوّث الأنهار.
ويرى محللون أن الأزمة تعكس إخفاقات متراكمة في سياسات الدولة، بما فيها ضعف تنفيذ اتفاق السلام، وعدم توفير بدائل اقتصادية حقيقية لزراعة الكوكا. كما أن محاولات الحكومة الحالية، بقيادة الرئيس غوستافو بيترو، لم تفلح في بسط السيطرة على المناطق النائية أو وقف تمدد الجماعات المسلحة.
ولا تقتصر المشكلة على العنف المسلح، بل تمتد إلى سوق أراضٍ مضاربية تموّلها الدولة بشكل غير مباشر؛ فإدخال الأراضي المُزالة الغابات إلى الدورة الاقتصادية يرفع قيمتها مع مشاريع الماشية والبنية التحتية، ما يجعل الأرض ذاتها سلعة استراتيجية بيد الكارتلات.
وفي ظل هذا المشهد القاتم، يدعو خبراء إلى مقاربة شاملة تتجاوز الحلول الأمنية، تقوم على تنمية اقتصادية مستدامة، وتمكين المجتمعات المحلية، وحماية حقوق السكان الأصليين الذين حافظوا لقرون على توازنهم مع الغابة؛ فمستقبل الأمازون، كما يخلص التقرير، بات مرهونًا بالقدرة على الربط بين حماية البيئة وصناعة السلام، قبل أن تتحول رئة العالم الخضراء إلى ضحية دائمة للجريمة العابرة للحدود.