مصدر: أوكرانيا تقصف البنية التحتية النفطية الروسية في بحر قزوين
تواجه بلجيكا أزمة غير مسبوقة تهدد صورتها كدولة أوروبية مستقرة، بعدما تحوّلت موانئها—وفي مقدمتها ميناء أنتويرب—إلى البوابة الرئيسية لدخول المخدرات إلى القارة.
وبحسب صحيفة "يوراسيا ريفيو"، بينما تتدفق ملايين الأطنان من البضائع عبر محطاتها اللوجستية، تتسلل معها شحنات ضخمة من الكوكايين والهيروين والمخدرات الاصطناعية، ما دفع بعض الخبراء إلى التحذير من أن البلاد قد تتحول بسرعة إلى أول "دولة مخدرات" في أوروبا.
ولم تكن بلجيكا تاريخيًا نقطة محورية في تجارة المخدرات، لكنها اليوم تحتل موقعًا متقدمًا على الخريطة الأوروبية لهذه الظاهرة.
في ميناء أنتويرب تصاعدت كميات المخدرات المضبوطة من 91 طناً العام 2021 إلى نحو 110 أطنان العام 2022؛ ويُعزى هذا التحول إلى موقع بلجيكا الاستراتيجي وقرب موانئها العميقة من شبكات النقل الأوروبية وكذا سهولة الحركة ضمن منطقة شنغن؛ كما استغلت شبكات الجريمة ضعف الرقابة وامتدادها إلى مستويات مهنية مختلفة بدايةً من عمال الموانئ وحتى أطراف فاسدة في أجهزة التنفيذ.
تبدأ شحنات الكوكايين من أمريكا اللاتينية مخفية داخل حاويات سلع شرعية؛ وقد تُمرَّر أحيانًا عبر موانئ غرب أفريقيا أو الكاريبي للتشويش على السلطات؛ وعند الوصول إلى أوروبا تتولى خلايا محلية «فتح الحاويات» واستخراج المخدرات ثم إعادة إغلاقها (يشارك فيها أحياناً مراهقون كـ«طاقم الاستخراج») قبل توزيعها داخل القارة عبر شبكات لوجستية منظمة؛ ما يجعل مكافحة الظاهرة تتطلب تنسيقاً دولياً مشدداً وإصلاحات عميقة في سلاسل التفتيش والأمن المينائي.
تشير بيانات الجمارك البلجيكية إلى أن المهربين باتوا يعتمدون شحنات أصغر وأكثر تكرارًا للتهرب من أنظمة المسح الضوئي، إذ انخفض متوسط وزن الشحنة الواحدة في 2025 إلى 204 كيلوغرامات مقارنة بـ359 كيلوغرامًا في العام السابق.
وتؤكد "يوروبول" أن العصابات طوّرت تقنيات متقدمة تشمل تبديل الحاويات أثناء النقل واستخدام سفن تغذية لإخفاء مسارات الشحن.
بلجيكا... بوابة ومركز توزيع أوروبي
أعطى موقع بلجيكا الجغرافي المميز، بين فرنسا وألمانيا وهولندا، دفعة قوية لتحولها إلى عقدة توزيع رئيسية للمخدرات داخل الاتحاد الأوروبي.
فمن ميناء أنتويرب، الذي يتصل بشبكة طرق وسكك حديدية تصل إلى معظم الأسواق الأوروبية، تنتقل كميات ضخمة من الكوكايين لتُعاد تعبئتها وتوزيعها في مختلف الدول.
تُقدّر قيمة سوق الكوكايين في أوروبا بنحو 11.6 مليار يورو، فيما يضيف القنب 12.1 مليار يورو أخرى؛ ما يجعل التجارة غير المشروعة واحدة من أكثر الصناعات ربحًا في القارة.
لكن هذه الأرباح الهائلة لا تبقى في الظل فقط؛ إذ تُغسل من خلال شركات نقل وتجارة وعقارات تعمل كواجهات مالية؛ ما يُصعّب على السلطات تتبّع التدفقات المالية المشبوهة. وفي العام 2024، سُجّلت 128 حالة اعتقال مرتبطة بالمخدرات في منطقة أنتويرب وحدها، بينهم 16 قاصرًا.
ما يبدأ في الموانئ لا يبقى فيها، فقد أصبحت بروكسل، على بُعد 45 كيلومترًا من أنتويرب، ساحةً مفتوحة لصراعات العصابات.
بحسب المدعي العام جوليان موينيل، شهدت العاصمة 57 حادث إطلاق نار في عام 2025، منها 20 خلال الصيف وحده، معظمها مرتبط بصراعات النفوذ في تجارة المخدرات.
وسُجل معدل جرائم قتل بلغ 3.19 لكل 100 ألف شخص—من الأعلى في المدن الأوروبية الكبرى—وكانت أحياء مولينبيك وأندرلخت الأكثر تضررًا.
ورغم الحملات الأمنية الواسعة التي شملت أكثر من 700 شخص و600 مركبة في سبتمبر، لم يُظهر العنف أي تراجع ملموس.
الفجوة الأمنية واتساع النفوذ الإجرامي
تقدّر الجمارك البلجيكية أنها لا تعترض سوى 10% إلى 40% من الكوكايين الذي يدخل البلاد؛ وهذا يعني أن معظم الشحنات تصل إلى وجهتها دون أن تُكتشف؛ ما يفتح الباب أمام المزيد من الفساد والتغلغل داخل المؤسسات.
كما تُحذر وكالة مكافحة المخدرات الأوروبية (EUDA) من أن الكيلوغرام الواحد من الكوكايين الذي يُباع ببضعة آلاف من اليوروهات في أمريكا اللاتينية يمكن أن يُباع في أوروبا مقابل 30,000 يورو؛ ما يُغري مزيدًا من الشبكات بالتوسع.
وفي المقابل، تعمل الحكومة البلجيكية والاتحاد الأوروبي على تعزيز استجابتهما عبر خارطة طريق جديدة لمكافحة الاتجار بالمخدرات، تشمل تشديد الرقابة على المواد الكيميائية الأولية المستخدمة في تصنيع المخدرات، وتحديث أدوات الرصد والتحليل ضمن وكالة مكافحة المخدرات الأوروبية.
رغم أن وصف بلجيكا بـ"دولة المخدرات" قد يبدو مبالغًا فيه للوهلة الأولى، فإن المؤشرات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية تُظهر أن البلاد تقف عند مفترق خطير.
فشبكات التهريب باتت جزءًا من المشهد الاقتصادي غير الرسمي، تتغلغل في الموانئ وتستغل الثغرات القانونية لتوسيع نشاطها، فيما تجهد السلطات في ملاحقة ظلالها.
تبقى بلجيكا اليوم بوابة أوروبا للمخدرات، وميدان اختبار لقدرة الاتحاد الأوروبي على حماية حدوده الداخلية، وسط سباق محموم بين المهربين ورجال القانون، حيث تُصادر الأطنان كل عام، لكن التجارة الحقيقية لا تتوقف أبدًا.