logo
العالم

شبكة دعم متبادلة.. تحالف كيم وبوتين يعيد رسم خريطة الصراع الروسي الأوكراني

عرض عسكري في بيونغ يانغالمصدر: رويترز

في مشهد لم يكن مجرد استعراض عسكري بقدر ما كان إعلانًا سياسيًا، تحوّلت ساحة كيم إيل سونغ في بيونغ يانغ إلى منصة لاستعراض تحالف جديد يُغيّر معادلات القوة العالمية، وذلك خلال العرض العسكري الضخم الذي أُقيم بمناسبة الذكرى الـ80 لتأسيس حزب العمال الكوري.

وخلال الاحتفال، وجّه الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، رسائل صريحة إلى العالم، مؤكدًا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو أعز صديق على قلب الشعب الكوري، وأن بيونغ يانغ ستواصل دعمها الكامل وغير المشروط لموسكو في حربها ضد أوكرانيا.

كيم لم يكتفِ بهذه التصريحات، بل وصف الحرب الروسية في أوكرانيا بأنها "حرب مقدسة" لحماية السيادة الروسية، متعهّدًا بأن كوريا الشمالية "ستفعل كل ما بوسعها" لدعم بوتين، وأن الاتفاق الدفاعي الجديد بين البلدين لم يكن ليولد "لولا البصيرة المتميزة والتصميم الكبير" من جانب الرئيس الروسي، وفق تعبيره.

وجاءت هذه التصريحات في أعقاب كلمات ديميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي – الذي شارك في العرض العسكري – والتي أكّد فيها أن اللقاءات بين الزعيمين تتم بانتظام، وأن العلاقات الثنائية باتت أكثر متانة من أي وقت مضى.

ويرى مراقبون أن العرض العسكري وما تبعه من تصريحات يعكسان "توطيدًا غير مسبوق" في العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ، والتي تقوم على مبدأ المصالح المتبادلة، خاصةً وأن روسيا تحتاج إلى "الذخائر والإمدادات الكورية" في حربها الطويلة بأوكرانيا، وفي المقابل، تجد كوريا الشمالية في التحالف مع موسكو "درعًا سياسيًا واقتصاديًا" يحميها من العزلة والعقوبات.

ومع تصاعد الدعم الكوري لروسيا وتبادل الرسائل الودية على أعلى المستويات، يبدو أن السؤال الأبرز لم يعد: من يحتاج الآخر أكثر؟ بل أيضًا: إلى أي مدى يمكن لهذا التحالف أن يُعيد رسم خريطة الصراع في أوكرانيا والعالم؟.

وبحسب الخبراء الذين تحدّثوا مع "إرم نيوز"، فإن زيارة ديميتري ميدفيديف إلى بيونغ يانغ، وحضوره العرض العسكري الضخم بمناسبة ذكرى تأسيس حزب العمال الكوري، حملت "رسائل استراتيجية واضحة" تتجاوز الطابع البروتوكولي، وتؤكد أن العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ دخلت مرحلة "شراكة متقدّمة" تقوم على المصالح المتبادلة لا الأيديولوجيا.

وأشار الخبراء إلى أن موسكو تسعى من خلال هذا التقارب إلى تنويع مصادر الدعم العسكري واللوجستي في ظل "حرب الاستنزاف" بأوكرانيا، بينما ترى كوريا الشمالية في التحالف مع روسيا فرصة للحصول على "غطاء سياسي واقتصادي" يعزّز مكانتها في مواجهة العقوبات الغربية.

وأضاف الخبراء أن هذا التقارب يرمز إلى "تحول في خريطة التحالفات الدولية"، حيث تتجه الدول المحاصرة بالعقوبات إلى بناء شبكات دعم مشتركة تتحدى النفوذ الغربي.

وقال ديميتري بريجع، مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، إن زيارة ديميتري ميدفيديف إلى بيونغ يانغ ولقاءه الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون تمثل "محطة مفصلية" في مسار العلاقات الروسية الكورية الشمالية.

وأشار إلى أن الزيارة لم تكن مجرد بروتوكول دبلوماسي أو مجاملة سياسية، بل رسالة استراتيجية عميقة تُعبّر عن ولادة محور جديد يتحدى منظومة الهيمنة الغربية، وتؤكد أن "موازين القوى في العالم لم تعد كما كانت".

وأكد بريجع، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن موسكو، التي تواجه حرب استنزاف طويلة في أوكرانيا، باتت تبحث عن دعم عسكري ولوجستي خارج الإطار الغربي، وفي الوقت نفسه ترى بيونغ يانغ في موسكو شريكًا استراتيجيًا يمنحها غطاءً سياسيًا ومكانة دولية وسط حصار خانق.

وأشار مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية إلى أن هذا التقارب لم يعد قائمًا على "شعارات أيديولوجية" كما في الماضي، بل على أسس "براغماتية" تقوم على تبادل المصالح الفعلية.

وتابع أن "روسيا تحتاج إلى الذخائر والقدرات التصنيعية التي تملكها كوريا الشمالية لتعزيز موقفها في الحرب، في حين تحتاج بيونغ يانغ إلى الغذاء والطاقة والدعم الدبلوماسي الروسي لتجاوز العزلة المفروضة عليها من الغرب".

ولفت بريجع إلى أن العلاقة بين الجانبين باتت تمثل نموذجًا لتحالفات جديدة تتشكّل خارج الأطر التقليدية، حيث تسعى الدول المعزولة أو المستهدفة بالعقوبات إلى بناء شبكات دعم متبادلة، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو تقنية.

وشدّد على أن هذا التحالف يحمل دلالات تتجاوز حدود موسكو وبيونغ يانغ، إذ يبعث برسائل واضحة إلى واشنطن وحلفائها، مفادها بأن العقوبات الغربية لم تعد أداة فعالة لعزل الدول.

وأكد بريجع أن التقارب الروسي الكوري الشمالي يعكس "تحوّلات كبرى" في النظام الدولي، ويُثير في الوقت ذاته قلقًا متزايدًا في شرق آسيا، خصوصًا في كوريا الجنوبية واليابان، اللتين تخشيان من أن يتحوّل هذا التعاون العسكري إلى تهديد مباشر للتوازن الإقليمي.

من جانبه، أكّد ألكسندر زاسبكين، الدبلوماسي الروسي الأسبق، أن المواجهة المتصاعدة بين روسيا والمعسكر الغربي تدفع موسكو إلى تعزيز علاقاتها مع الدول التي ترفض الهيمنة الغربية وتتقاسم معها الرؤية ذاتها تجاه الأوضاع العالمية.

وأشار زاسبكين، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إلى أن من أبرز هذه الدول كوريا الشمالية، التي أصبحت اليوم "حليفًا استراتيجيًا" لروسيا، ويظهر هذا التحالف في مشاركتها بالدفاع عن روسيا في منطقة كورسك، وهو ما يعكس عمق العلاقة القائمة على "أخوّة السلاح"، التي غالبًا ما تعزّز الشراكات أكثر من أي عامل آخر.

وأوضح زاسبكين أن التعاون بين موسكو وبيونغ يانغ لا يقتصر على المجال العسكري فحسب، بل يشمل مجالات عدة، أبرزها التعاون الاقتصادي، وهو ما يجعل من هذا التحالف عاملًا مؤثرًا في ميزان القوى العالمي.

وفي هذا السياق، شدّد على أهمية الدور الذي تلعبه الصين، باعتبارها دولة كبرى مجاورة لروسيا، مشيرًا إلى أن التنسيق مع بكين يشكل ركيزة مهمة في التوجّه الروسي نحو الشرق.

أخبار ذات علاقة

صاروخ كوري خلال العرض

في عرض عسكري كبير.. كوريا الشمالية تكشف عن صاروخ جديد (فيديو)

 وأكد الدبلوماسي الروسي الأسبق أن "التوجّه نحو الشرق والجنوب" لم يعد خيارًا تكتيكيًا، بل أصبح مسارًا استراتيجيًا في رؤية روسيا لمستقبلها القريب والبعيد، في ظل التغيرات المتسارعة في النظام الدولي.

وتابع ألكسندر زاسبكين: "روسيا اليوم تُعيد تموضعها العالمي على أسس الشراكة الندية، ونحن نؤمن بأن التعددية القطبية ليست فقط ممكنة، بل ضرورية لضمان الأمن والاستقرار الدوليين".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC