logo
العالم

حسابات واشنطن أولاً.. ترامب يضع اجتماع القادة أمام اختبار صعب‎ في أوكرانيا

دونالد ترامبالمصدر: رويترز

بين الحضور والتأجيل، يقف اجتماع القادة الأوروبيين بشأن الحرب في أوكرانيا أمام حالة من عدم اليقين، بعدما ربط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مشاركة بلاده بوجود فرصة حقيقية لتحقيق تقدم ملموس، في موقف أعاد فتح باب التساؤلات حول جدوى الاجتماع وإمكانية انعقاده في موعده من الأساس.

وكشف ترامب أن الولايات المتحدة لا تنوي إضاعة الوقت في اجتماعات بلا نتائج، مؤكدًا أن قرار المشاركة الأمريكية، عبر ممثلين وليس بحضوره الشخصي، سيُحسم فقط إذا تبين أن اللقاء قد يقود إلى اختراق فعلي في مسار وقف إطلاق النار أو التوصل إلى إطار سياسي للحل.

ويأتي هذا الموقف في وقت تستعد فيه عواصم أوروبية، بينها باريس وبرلين، لاستضافة اجتماع رفيع المستوى يضم ممثلين عن فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأوكرانيا، وسط مساعٍ أوروبية لضمان حضور أمريكي فاعل يمنح الاجتماع ثقله السياسي. 

أخبار ذات علاقة

ترامب ونظيره الأوكراني زيلينسكي

ما سيناريوهات الرد الأمريكي على رفض أوكرانيا التنازل عن أراضيها؟

استياء ترامب

وأكد البيت الأبيض، أن ترامب يشعر باستياء متزايد من مسار المفاوضات، ويريد أفعالًا ملموسة لا بيانات دبلوماسية، مشيرًا إلى أن واشنطن أجرت مشاورات طويلة مع موسكو وكييف والأوروبيين دون أن ترى حتى الآن ما يبرر عقد اجتماع جديد بلا ضمانات نجاح.

وتقود الولايات المتحدة منذ أسابيع جهودًا مكثفة لفرض إطار تسوية قبل نهاية العام، عبر خطة سلام معدّلة تطالب أوكرانيا بتنازلات ميدانية محدودة مقابل ضمانات أمنية، من دون الذهاب إلى عضوية كاملة في حلف الناتو، وهي نقاط لا تزال محل خلاف داخل المعسكر الغربي نفسه.

في المقابل، يحاول الأوروبيون إنقاذ مسار الاجتماع عبر تضييق فجوة الخلافات وتقديم صيغة تضمن الحد الأدنى من القبول الأمريكي، خشية أن يتحول الغياب الأمريكي إلى ضربة سياسية للمبادرة برمتها.

وبينما تتواصل الاتصالات خلف الكواليس، بات واضحًا أن اجتماع القادة، إن عُقد، سيجري تحت سقف الشروط الأمريكية، وإن تأجل، فسيكون ذلك انعكاسًا مباشرًا لفلسفة ترامب القائمة على أن الدبلوماسية بلا نتائج ليست سوى إضاعة للوقت. 

أخبار ذات علاقة

علم أوكرانيا والولايات المتحدة

مسؤول: خطة السلام الأمريكية تلحظ انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي

اجتماع القادة

ويرى الخبراء أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن احتمال حضوره اجتماع القادة، وربط ذلك بوجود فرصة جيدة لتحقيق تقدم، تعكس مقاربة براغماتية تقوم على حسابات الربح والخسارة أكثر من كونها التزامًا سياسيًا ثابتًا تجاه الحلفاء الأوروبيين.

وأضاف الخبراء أن ترامب لا يرى جدوى من المشاركة في اجتماعات شكلية ما لم تُطرح خطة قابلة للتطبيق تأخذ في الاعتبار موازين القوى على الأرض وشروط موسكو الأساسية، معتبرين أن حديثه عن الحضور المشروط يمثل رسالة ضغط مباشرة على الأوروبيين مفادها أن واشنطن لن تمنح غطاءها السياسي لأي مسار لا يفضي إلى نتائج ملموسة. 

وقال نزار بوش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، إن الأوروبيين لا يمتلكون رؤية حقيقية لتسوية الأزمة الأوكرانية، موضحًا أن كل ما يطرحونه ينحصر في شرطين متكررين يتمثلان في عدم تنازل أوكرانيا عن الأراضي الخاضعة لسيطرة روسيا، وتقديم ضمانات أمنية لكييف، مؤكدًا أن هذين الشرطين لا يمكن أن يصنعا سلامًا ولا يؤسسا لحل مستدام للأزمة.

وفي تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، كشف بوش أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدرك هذه الحقيقة، ولهذا وجّه رسالة واضحة للأوروبيين مفادها أن غياب خطة قابلة للتطبيق يعني عدم جدوى عقد قمة باريس، مشيرًا إلى أن الميدان هو من يفرض كلمته حاليًا، وأن استمرار الحرب سيؤدي حتمًا إلى خسارة أوكرانيا مزيدًا من الأراضي وتراجع شروطها التفاوضية.

وأضاف أن ترامب يبني رؤيته على نتائج محادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك على ما نقله مبعوثه عقب لقائه الأخير مع بوتين، لافتًا إلى أن موسكو كانت واضحة في شروطها، ولن تدخل في أي مفاوضات أو وقف أو تجميد للصراع ما لم تتضمن الخطة تخلي أوكرانيا عن إقليم الدونباس كاملًا، والوقوف عند خطوط التماس في خرسون وزاباروجيا.

وأشار إلى أن ترامب ينطلق من قناعة راسخة بأن أوكرانيا غير قادرة على تحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية، معتبرًا أن الطرح الأوروبي لا يتجاوز كونه وهمًا سياسيًا، وأن أوروبا تسعى إلى إطالة أمد الحرب بهدف استنزاف روسيا اقتصاديًا، وهو مسار لن يغير من إصرار موسكو على تحقيق أهدافها المعلنة منذ العام 2022.

ورأى بوش أن اجتماع باريس لن يحمل جديدًا في ظل التعنت البريطاني الفرنسي الألماني، واستمرار الدعم المعنوي لزيلينسكي الذي وصفه بأنه بات شبه منتهٍ سياسيًا، مؤكدًا أن لا الانتخابات المقبلة ولا الحديث عن استفتاء بشأن الدونباس سيغيّران من الواقع القائم.

وأكد أستاذ العلوم السياسية، أن ترامب يدرك أن هذا المسار لن يؤدي إلى وقف لإطلاق النار أو سلام حقيقي، لكنه يسعى إلى إنهاء الحرب ليقدم نفسه بطلًا للسلام ويدخل التاريخ، مشددًا على أن روسيا لن تمنحه هذا الإنجاز ما لم تتحقق أهدافها العسكرية كاملة.

أخبار ذات علاقة

الرئيسان الفرنسي والأوكراني في باريس

أنباء عن إلغاء اجتماع باريس المقرر بشأن خطة السلام الأوكرانية

الموقف الأمريكي

وفي ذات السياق، أكد كارزان حميد، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، أن الموقف الأمريكي منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يشهد تذبذبًا واضحًا، إذ يتأرجح بين دعم الموقف الأوكراني من جهة، والسير خلف السردية الروسية من جهة أخرى، مشيرًا إلى أن هذا التذبذب انعكس في سلوك الإدارة الأمريكية خلال الأشهر الماضية.

وقال حميد إن المشهد بدا لافتًا عندما أهان ترامب ونائبه جي دي فانس نظيرهما الأوكراني فولوديمير زيلينسكي داخل البيت الأبيض في فبراير الماضي، قبل أن تتغير الصورة بعد شهر واحد فقط مع إعادة تطبيع العلاقات، وانتقاد ترامب لنظيره الروسي وتهديده بفرض عقوبات اقتصادية طالت موسكو وحلفاءها.

وأشار إلى أن استراتيجية ترامب تقوم على مسارين متوازيين، الأول السعي إلى وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، والثاني البدء في تنفيذ بنود الاتفاق الاقتصادي بين واشنطن وكييف ضمن اتفاق المعادن، إلى جانب محاولة تحقيق مكاسب سياسية من أخطر حرب تشهدها القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.

ولفت المحلل السياسي إلى أن الولايات المتحدة بدأت تُظهر انزعاجًا من المسارات التي تتشكل داخل العواصم الأوروبية، والتي ترى إدارة ترامب أنها لا تخدم الجميع كما يُروج لها، بل تصب في مصلحة الأوروبيين على حساب صورة الرئيس الأمريكي ومكانته السياسية.

وأضاف أن هذه المسارات تهدد الصورة الإعلامية لترامب باعتباره الزعيم القوي القادر على جمع الخصوم وفرض الحلول، ما يجعله يشعر بأن مكانته العالمية باتت مهددة، خاصة مع تصاعد الاتهامات الأوروبية له بتبنّي وجهة النظر الروسية.

الغموض والمرونة المفرطة

وأوضح الخبير في الشؤون الأوروبية، أن الغموض والمرونة المفرطة في مقاربة ترامب للتسوية دفعا أطرافًا أوروبية إلى محاولة جر الموقف الأمريكي باتجاه بروكسل، بما يضمن تحجيم دور موسكو وتقليل الخسائر الميدانية والعسكرية والاقتصادية.

وأشار إلى أن هذا الواقع خلق حالة من خيبة الأمل داخل الإدارة الأمريكية تجاه زيلينسكي والقادة الأوروبيين، وظهرت بوادر الشقاق مع غياب وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو عن الاجتماع السنوي لحلف الناتو.

وبرأيه، فإن حضور ترامب اجتماع السلام في باريس أو غيابه لن يغير من جوهر المعادلة، طالما استمرت الخلافات العميقة بين الأطراف، وتُتخذ القرارات بعيدًا عن الواقع الميداني، فيما تتراكم الخسائر يومًا بعد يوم.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC