وسط موجة من الفضائح التي تطال أقرب معاونيه وأفراد عائلته، يواجه رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أخطر أزمة سياسية في مسيرته.
بعد سبع سنوات من صعوده اللافت إلى الحكم عام 2018، إثر الإطاحة التاريخية بحكومة ماريانو راخوي، يجد زعيم الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني (PSOE) نفسه محاصرًا بملفات فساد تضرب عمق سلطته ومصداقيته، بل ومستقبل اليسار الإسباني برمّته.
الضغوط تتزايد من كل الاتجاهات: استقالات، تسريبات، مداهمات، وتحقيقات تطال زوجته بيجونيا جوميز وشقيقه دافيد. وفي حين يُصر سانشيز على براءته، يتمزق حزبه بين الولاء له والخوف من الغرق معه.
بحسب صحيفة بوليتيكو، النسخة الفرنسية- يطالب عدد متزايد من القيادات الاشتراكية في المدن والأقاليم الإسبانية بإجراء انتخابات مبكرة، رغم قناعتهم بأن الحزب قد يخسرها.
وبينما يواصل هؤلاء دعمهم العلني لرئيس الوزراء، يقرّون في الكواليس أنه أصبح عبئًا سياسيًا، وقد يتسبب بخسائر فادحة في الانتخابات المحلية والوطنية المقررة جميعًا في منتصف 2027.
وقال مسؤول بلدي اشتراكي للصحيفة: "إذا كان علينا أن نخسر، فليكن الآن، ونستخدم الوقت المتبقي قبل الانتخابات المقبلة لإظهار أننا بدأنا صفحة جديدة".
الضربة الكبرى
الضربة الكبرى جاءت من وحدة مكافحة الفساد بالحرس المدني الإسباني (UCO) التي كشفت عن أدلة تؤكد تورط سانتوس سيردان، ثالث أقوى شخصية في الحزب، في تلقي رشاوى مقابل عقود أشغال عامة. استقال سيردان من الحزب والبرلمان، وردّ سانشيز بخطاب متلفز اعتذر فيه من الإسبان، معلنًا تطهير القيادة وتعيين لجنة انتقالية، فضلًا عن فتح تدقيق خارجي في حسابات الحزب.
لكن هذه الإجراءات لم تهدئ العاصفة؛ ففضيحة سيردان مرتبطة أيضًا بخوسيه لويس أبالوس، سلفه المقرب من سانشيز، المتهم بدوره في قضايا فساد سابقة؛ ما دفع المحلل السياسي بابلو سيمون إلى تشبيه إجراءات سانشيز بـ"سكب زجاجة ماء على حريق ضخم مشتعل".
وقال سيمون: "الحزب الاشتراكي وسانشيز يواجهان مرحلة أولى من أزمة لا تزال في بدايتها، وكل المؤشرات تدل على أنها ستتفاقم مع ظهور مزيد من الأدلة أو التسريبات التي قد تطال أعضاء حاليين في الحكومة".
في هذا السياق، دعا أنطونيو رودريجيز أوسونا، عمدة مدينة ميريدا، إلى عقد مؤتمر طارئ للحزب يُستشار فيه الأعضاء بشأن بقاء سانشيز، وقال صراحة: "لو كنت في مكانه، لما ترشحت مجددًا".
وفيما تتصاعد الضغوط، يرى سيمون أن رغبة بعض المسؤولين في تنحي سانشيز مبررة، قائلًا: "نحن أمام موت سياسي بطيء. من الطبيعي أن يرغب كثيرون من الصف الثاني داخل الحزب في أن يتنحى الزعيم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".
لكن، في نظره، هذا غير مرجّح، مضيفًا: "لا أحد يستطيع إجباره على الرحيل، فسانشيز يسيطر بالكامل على الحزب، وإذا قرر البقاء فسيبقى. إنه سيّد اللعبة الداخلية".
التمسك بالدفة لمواجهة العاصفة
في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الاثنين، اعترف سانشيز أنه فكّر في الاستقالة، لكنه قرر "التمسك بالدفة لمواجهة العاصفة". وهنا يعلّق سيمون: "رئيس الوزراء لديه مصلحة شخصية في البقاء، فهو يعلم أنه إذا ظهرت أدلة تدينه، سيكون في وضع أقوى للدفاع عن نفسه من موقع رئيس الحكومة، لا من مقعد المعارضة".
ويتابع: "الحزب يعلم أن هذه الأزمة قد تنتهي بكارثة انتخابية، وربما تلطّخ صورة اليسار لعقد قادم، لكن لا أحد يمتلك القوة الكافية لإزاحته، حتى وإن كان مصابًا إصابة سياسية قاتلة".
أما عن موقف المعارضة، فيشير سيمون إلى مفارقة لافتة، موضحًا: "الحزب الشعبي ليس في عجلة من أمره، بل يستفيد من استمرار سانشيز في الحكم، فكل يوم إضافي يمر، يُنهك الاشتراكيين ويفقدهم الدعم الشعبي، ويُضعف حلفاءهم".
تصريحٌ أكده المتحدث باسم الحزب الشعبي، بورخا سيمبر، حين قال: "تصويت حجب الثقة سيكون بمثابة طوق نجاة لسانشيز، لكنه اختار طريق الموت البطيء والمؤلم، وسيكون أشد إيلامًا في نهايته".
وبينما يترنح الحزب الاشتراكي تحت وطأة الفضائح، ويُصر رئيس الوزراء على الصمود، رغم تآكل الشرعية السياسية وغياب الدعم الداخلي، وبينما تسير إسبانيا نحو انتخابات 2027، يرى الخبراء أن العد التنازلي لحكم سانشيز بدأ بالفعل.