رأى خبراء سياسيون فرنسيون أن زعيمة حزب التجمع الوطني (يمين متطرف)، مارين لوبان، تدخل مرحلة سياسية جديدة أكثر تشدداً، بعدما أعلنت وضعها شروطاً صارمة لأي حكومة مقبلة لتجنّب حجب الثقة عنها.
ويؤكد الخبراء، لـ"إرم نيوز"، أن هذه الشروط تعكس قلق لوبان من "الانصهار في النظام" السياسي الفرنسي، في وقت تحاول فيه أن تثبت لجمهورها أنها لا تزال القوة المعارضة الرئيسية.
في كلمتها أمام أنصارها في منطقة با دو كاليه، اتهمت لوبان خصومها من اليسار والوسط بأنهم المسؤولين عن "الانهيار الديمقراطي والاقتصادي" في فرنسا.
وأضافت: "لقد تحول الفرنسيون إلى مجرد متفرجين عاجزين في مسرح للظلال، ونحن نتألم معهم. وحده حزبنا بريء من هذا الخراب، ولم يتحمل أي مسؤولية فيه"، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
لكن رغم لهجتها القوية، تجد لوبان نفسها في موقع معقد، إذ يطلب منها أن توضح إن كانت ستمنح أي حكومة مقبلة "فرصة" لتجنب الفوضى السياسية، أو أنها ستتمسك بخيار حجب الثقة انطلاقاً من منطق "التغيير الجذري" الذي يريده جزء كبير من ناخبيها.
بين جمهورها الشعبي والنخب المترددة
ويطرح سقوط متوقع لحكومة فرانسوا بايرو يوم 8 سبتمبر معضلة أمام لوبان: هل تستجيب لمطالب قاعدتها الشعبية التي تميل إلى رفض أي حكومة منبثقة عن اليسار أو "الكتلة الوسطية"؟ أم تراعي حسابات الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي التي تهم الشرائح العليا والمتقاعدين ورجال الأعمال، الذين لا يزالون مترددين في دعمها؟
في هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية الفرنسي والباحث في مركز الدراسات السياسية بباريس، إن هذا التوازن بين النزعة الشعبوية من جهة والحاجة إلى الظهور كقوة حكم مسؤولة من جهة أخرى، هو ما جعلها تعلن شروطها بلهجة متشددة، في محاولة لإرضاء الطرفين معاً.
وأكد برونو كوتر، لـ"إرم نيوز"، أن خطاب لوبان الأخير يعكس انتقالها من موقع المعارضة الصافية إلى موقع "الحزب شبه الحاكم"، موضحاً: "مارين لوبان لم تعد قادرة على الاكتفاء بلعب دور المعارضة الغاضبة، فهي الآن تُعتبر رقماً محتملاً في الحكم أو على الأقل شريكاً في هندسة التوازنات داخل الجمعية الوطنية.
وتابع: "لذلك فهي مضطرة لتقديم شروط واضحة حتى لا تظهر بمظهر من يعرقل الاستقرار. لكنها في الوقت ذاته لا تستطيع التنازل كثيراً، وإلا خسرت جزءاً كبيراً من جمهورها التقليدي الذي يرفض ما يسميه "النظام".
وأضاف كوتر أن ما يميز اللحظة الراهنة هو أن لوبان أصبحت أمام امتحان المصداقية السياسية: فإما أن تثبت أنها بديل جاهز للحكم، أو أن يترسخ الانطباع بأنها مجرد معارضة صاخبة غير قادرة على إدارة الدولة.
بدوره، قال دومينيك ريني أستاذ العلوم السياسية بجامعة العلوم السياسية بباريس، إن المسألة أعمق من مجرد موقف تكتيكي، موضحاً أن "لوبان تواجه معضلة تاريخية: فهي مطالبة بأن تختار بين أن تبقى أسيرة خطاب "ضد النظام"، أو أن تدخل فعلياً إلى قلب اللعبة السياسية بمسؤولياتها وتعقيداتها.
رسالة مزدوجة واختبار النضج السياسي
ورأى ريني أن إعلانها لشروط عدم حجب الثقة يعكس هذا التردد: هي تريد أن تقول لجمهورها إنها لن تبيع نفسها للنظام، لكنها في الوقت ذاته ترسل إشارات إلى الأسواق والطبقات المترددة بأنها لن تجر البلاد إلى الفوضى".
وأضاف ريني، لـ"إرم نيوز"، أن هذه الاستراتيجية مزدوجة المخاطر: فمن جهة، قد يرى الناخبون الشعبويون أنها بدأت "تتلون" كالأحزاب التقليدية، ومن جهة أخرى قد يعتبر الفاعلون الاقتصاديون أنها لا تزال غير موثوقة بما يكفي لتأمين استقرار البلاد.
وأشار أستاذ العلوم السياسية الفرنسي إلى أنه مع تصويت الجمعية الوطنية على الثقة بحكومة بايرو، تضع الأحداث مارين لوبان في اختبار حاسم: هل ستظل رمز المعارضة الجذرية، أم أنها ستدخل تدريجياً في منطق المؤسسات؟
كما اعتبر ريني أن موقفها في الأيام المقبلة سيكون مؤشراً رئيسياً على مستقبل التجمع الوطني، هل يتحول إلى حزب حكم قادر على بناء تحالفات وتقديم بدائل، أم يبقى محصوراً في خانة الاعتراض والاحتجاج؟