ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء

logo
العالم

باماكو في حصار خانق.. تمدد "نصرة الإسلام" يربك جيوش الساحل الأفريقي

جنود من الجيش الماليالمصدر: (أ ف ب)

تقف منطقة الساحل الأفريقي على صفيح عسكري وأمني ساخن عقب تصعيد جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" لوتيرة عملياتها المسلحة.

وتمكنت الجماعة، من فرض طوق محكم على العاصمة المالية باماكو وبسط سيطرتها على مناطق شاسعة في بوركينا فاسو والنيجر، وحديثا في بنين والتوغو.

ودقت تقارير عسكرية ناقوس الخطر من السيناريوهات الممكنة لتداعي الأحداث في دول منطقة الساحل المعروفة بهشاشتها المؤسسية وضعف أجهزتها الرسمية واستفحال الفساد في إداراتها.

 

أخبار ذات علاقة

أعلام روسيا تحيط بالرئيس البوركيني إبراهيم تراوري

‌‏تحالف "دول الساحل" وموسكو.. هل يغير "قواعد اللعبة" في أفريقيا؟

إعادة رسم ملامح الصراع

وأشار تقرير صادر عن المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن هجمات جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في غرب مالي باتت تعيد رسم ملامح الصراع في المنطقة.

وأوضح أن الفصائل المرتبطة بالتنظيم ركّزت على استهداف طرق النقل الحيوية وصهاريج الوقود والمراكز السكانية، الأمر الذي انعكس بصورة مباشرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مالي.

وزادت وتيرة العمليات المسلحة للجماعة كميةً ونوعيةً خلال عام 2025؛ حيث تؤكد التقارير الميدانية أن التنظيم المتطرّف صعّد من ضرباته بشكل ملحوظ وغير مسبوق في بوركينا فاسو ومالي والنيجر وبنين.

وخلال النصف الأول من العام الجاري نفّذت الجماعة نحو 300 هجوم مسلّح في بوركينا فاسو وحدها، أي أن عملياتها تضاعفت مقارنةً مع النصف الأول من 2024.

كما أدّت عملياتها المسلحة إلى مقتل أكثر من ألف شخص في منطقة الساحل الأفريقي منذ أبريل الماضي، معظمهم من القوات الأمنية وشبه الأمنية: 800 في بوركينا فاسو وحدها، و117 في مالي، و74 في بنين.

تواجد عسكري كبير

وتفرض الجماعة على العاصمة المالية باماكو حصارا محكما، عزلها عن محيطها الخارجي ومنع وصول المحروقات إليها، ممّا أدّى إلى شلل في قطاع النقل البري وإلى أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة.

ووفق جهات عسكرية ميدانية مطلعة، تنشط الجماعة حاليًا في كافة أنحاء مالي، وباتت موجودة بقوة في 11 من أصل 13 إقليما في بوركينا فاسو، التي أصبحت مؤخرًا مجالًا واسعًا لأنشطة الجماعة، خصوصًا في المناطق الحدودية الشمالية والشرقية.

وأدّى هذا التطور المسلّح في منطقة الساحل الإفريقي إلى عدّة نتائج من بينها "نزوح سكاني كثيف" تُقدّره الأمم المتحدة بنحو أربعة ملايين نازل من المنطقة، وتصاعد الفوضى والاضطرابات داخل هذه الدول بسبب النقص الحاد في المحروقات والمواد الغذائية، بفعل الحصار الذي تفرضه الجماعة على باماكو وعلى طرق الإمداد.

 

 

3 أسباب رئيسة

وفي هذا الإطار، يطرح الخبراء 3 أسباب رئيسة لتفسير هذا التصعيد في منطقة الساحل.

وأول هذه الأسباب، استغلال الجماعة للانسحاب المفاجئ وغير المنظّم للقوات الفرنسية والأمريكية والأممية من المنطقة عمومًا، ومن دول "الترويكا" (النيجر وبوركينا فاسو ومالي) خصوصا، عقب تولّي المجالس العسكرية السلطة؛ إذ خلّفت هذه القوات فراغا عسكريا كبيرا عجزت القوات الروسية ممثلةً في "فيلق أفريقيا" عن ملئه، وحتى الشركات الأمنية التركية لا تزال تفضّل إبرام عقود لتقديم الاستشارات وشراء السلاح بدل القتال الميداني بجانب القوات الحكومية.

ثانيها الاستفادة من وضع اقتصادي ومالي مُواتٍ، من خلال العائدات الكبيرة التي تتحصل عليها من الرسوم والضرائب على البضائع والسكان والتجار والعابرين عبر الحواجز التي تنصبها، إضافة إلى التجارة في "الأغنام والماشية" التي تستولي عليها.

وتقدّر تقارير مالية أن الغنائم المتأتية من تجارة المواشي تدرّ على الجماعة ملايين الدولارات، ففي منطقة واحدة من مالي حققت الجماعة نحو 800 ألف دولار.

أما ثالثها، الاستفادة التقنية من التطبيقات الرقمية الحديثة؛ فتقارير استخباراتية — آخرها تقرير المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة والمنظمة العابرة للحدود — تشير إلى أن الجماعات المتطرّفة، ومنها جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، وظّفت خدمات تطبيق "ستارلينك" (الشركة المملوكة لإيلون ماسك) لتوفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية عند ضعف شبكات الإنترنت.

ويؤكد المراقبون أن هذه التطبيقات سهّلت على الجماعات التخطيط وتنفيذ الأهداف وتبادل المعلومات الاستخباراتية والمعاملات المالية، والمحافظة على الاتصال مع قياداتها الميدانية أثناء العمليات.

ويمكن فهم تفاصيل المشهد وخطورته، لو أضفنا إلى الأسباب السابقة قدرة الجماعة على التغلغل في الأوساط الاجتماعية والاعتماد على القيادات المحلية وتجنّب تعيين قيادات أجنبية في أماكن سيطرتها، مع استغلال الأخطاء التي ارتكبتها بعض العناصر الأمنية والعسكرية — بمرافقة القوات الروسية — من ارتكاب مجازر بحق الأهالي دون اعتذار رسمي أو تعويض لذوي الضحايا.

سيناريوهات قادمة

ويعتبر الخبراء، أن الواقع القائم مفتوح على الكثير من السيناريوهات التي ستفضي حتمًا إلى تغيير جوهري في "خرائط الأمن" وتوازنات القوة وتنوّعها.

وتوقّع الخبراء مزيدًا من انخراط روسيا في المشهد الأفريقي، وعدم فسح المجال أمام القوى الغربية التي طردتها المجالس العسكرية الحاكمة للعودة إلى الساحل عبر بوابة محاربة التطرف، سيما وأنها فشلت في تأمين هذه المهمة لعقد من الزمن.

ويبدو أن روسيا، الموجودة عبر "فيلق أفريقيا" ومن خلال الدعم اللوجستي والتسليحي والتدريبي والاستشاري، لا تفكّر في الانسحاب من هذه المعركة، بل تعتبرها معركتها الثانية ضد الغرب (بعد أوكرانيا)، خاصة بعد اتهامات بدور كييف في دعم بعض المقاتلين المحليين في مالي واستهداف قواتها هناك.

وفي تقديرات موسكو، لن تتخلّى روسيا عن منطقة الساحل التي توفّر لها امتدادات اقتصادية واستثمارية مهمة، وتمنحها أيضًا قربًا جغرافيًا من مكامن المعادن النادرة والثمينة التي باتت محددًا رئيسًا للصراع التجاري العالمي، إضافة إلى طموحها في الحصول على إطلالة غربية على الأطلسي تكمّل إطلالتها الشرقية في الكاريبي وفي دول أمريكا الجنوبية.

 

 

الصين تتوثّب

وفي سياق موازٍ، تشير مصادر قريبة من بكين إلى أن الصين لا تفكر بالتخلي عن أدوارها الاقتصادية في منطقة الساحل الإفريقي، التي باتت منذ أكثر من عقد "سيدة المعادن النادرة والثمينة" في العالم.

ولفتت المصادر، إلى توثّب صيني متزايد في الانخراط بالمشهد العسكريّ، وإن لم يكن بنفس الكيفية أو الكمّية مقارنةً مع روسيا، إذ شرعت بكين في استراتيجية عسكرية في الساحل عبر 3 مسارات: تعيين قنصلٍ عسكري في النيجر، ووجود شركات أمنية صينية في المنطقة، وإبرام اتفاقيات عسكرية مع دولها.

كما تتفق التقديرات السياسية والعسكرية على أن الغرب، ممثّلًا بأمريكا وأوروبا، لن يقف مكتوف الأيدي حيال التطورات العسكرية المتسارعة التي ستطال أمنه عبر بوابة الهجرة غير النظامية من منطقة الساحل.

وبينما يُستبعد خيار التوغل البري المباشر بصيغته التقليدية، يبقى احتمال الانخراط الفعّال غير المباشر — عبر ضربات بطائرات مسيّرة أو التنسيق الاستخباراتي تحت مظلة الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة — واردًا، على الأقل لتحقيق هدفين: حَجْب استفراد الصين وروسيا بالمشهد، ومنع تدفق الملايين من المهاجرين والنازحين واللاجئين إلى أوروبا.

ورقة الاحتراب

في المقابل، تظهر احتمالية "احتراب الجماعات المتطرفة" فيما بينها كورقة مهمة قد تُغيّر المعادلات لحظة اندلاعها.

فالمشهد يضم على الأقل 3 فصائل مسلحة متطرّفة: جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" (فرع مرتبط بالقاعدة)، وتنظيم "داعش في الصحراء الكبرى"، وجبهة تحرير أزواد.

 

أخبار ذات علاقة

امرأة مع أطفالها في مخيم للنازحين داخليًا في كايا، بوركينا فاسو

مأساة إنسانية.. 4 ملايين نازح شرّدتهم الحروب في الساحل الأفريقي

وهذه الجماعات قد لا تتردّد في خوض حربٍ فيما بينها إذا نشب تنازع حول الغنائم أو النفوذ.

وكما أدّت الحروب البينية في صفوف "بوكو حرام" إلى انشقاق الفصيل وتلاشيه، فإن أي اقتتال داخلي بين هذه الجماعات قد يُستغل من قبل دول "الترويكا الساحلية" وباقي دول الإقليم.

في المحصلة، تطغى النظرة التشاؤمية والتحذيرية على معظم القراءات الاستراتيجية لمنطقة الساحل الأفريقي.

وهذه النظرة لا تُنقِص من أهمية الاستهداف العسكري المالي الأخير لقيادات "داعش في الصحراء الكبرى"، لكنها لا تعتبره منعطفا كافيا لوقف مسار التصعيد الذي يبدو أنه يتجه نحو توسيع رقعته في الإقليم وربما عبر القارة وما بعدها.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC