مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
يتصاعد الخطاب العدائي بين الصين واليابان إلى مستويات خطيرة على وقع تزايد التوتر حول تايوان، بعد تصريح رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي بأن أي هجوم صيني على الجزيرة قد يستدعي ردًا عسكريًا من طوكيو.
وردت بكين باستعراض قوة سريع، شمل إرسال سفن خفر السواحل إلى جزر سينكاكو المتنازع عليها وتحذير مواطنيها من السفر إلى اليابان.
ورغم الفجوة الكبيرة بين القدرات العسكرية للبلدين، يرى مراقبون أن الصين لا يمكنها تجاهل حقيقة أن اليابان تمثل تحديًا صعبًا في أي مواجهة محتملة، بحسب صحيفة "يوراسيان تايمز".
تاريخ دموي يشعل الحاضر
رغم أن كثيرًا من التحليلات الغربية تعتبر التوتر الصيني –الياباني مجرد عامل ثانوي في تنافس الولايات المتحدة والصين، فإن التاريخ الطويل بين بكين وطوكيو يروي قصة أخرى.
فمنذ 1895، حين غزت اليابان تايوان واحتلتها، مرورًا بغزو منشوريا عام 1931، ثم الحرب الصينية – اليابانية الكبرى بين 1937 و1945 التي أودت بحياة أكثر من 22 مليون صيني، تشكلت ذاكرة تاريخية مشحونة بين البلدين.
وبينما استسلمت ألمانيا عام 1945، استمرت الحرب في آسيا حتى أغسطس/آب من العام نفسه ولم تُنهِها إلا الضربات النووية على اليابان.
هذا الإرث الدموي لا يزال حاضرًا في حسابات الأمن القومي للطرفين، خاصة مع تجدد التوتر على جزر سينكاكو (دياويو) التي تقع في نقطة استراتيجية قريبة من تايوان، حيث يتداخل التاريخ والجغرافيا والسياسة في عقدة واحدة.
ورغم تبني اليابان دستورًا سلميًا بعد الحرب العالمية الثانية، فإن الصين ترى في صعودها العسكري والاقتصادي فرصة لتغيير موازين القوى مع جارها القديم.
ولكن هذه القراءة تتجاهل أن اليابان، رغم حجمها العسكري الأصغر، تمتلك شبكة ردع دولية وإمكانات تكنولوجية تجعل من استهدافها مخاطرة كبرى.
تحالف حديدي
العامل الأكثر حساسية في معادلة الردع هو معاهدة الأمن اليابانية–الأمريكية. فمنذ مراجعة المعاهدة عام 1960، كرّست الولايات المتحدة التزامًا صريحًا بالدفاع عن اليابان، وهو التزام يُعدّ مماثلًا للمادة الخامسة في حلف الناتو.
وتحتفظ واشنطن في اليابان بـ 14 قاعدة عسكرية وبأكثر من 54 ألف جندي، في أكبر انتشار لقواتها خارج أراضيها.
ويمثل هذا الوجود العسكري المتقدم خطًا أحمر للصين؛ فاستهداف اليابان يعني تلقائيًا الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة.
ولا يقتصر الأمر على الجنود، بل يشمل أحدث منظومات القتال الجوي والصاروخي الأمريكية، ما يعزز من قدرة اليابان على صد الهجمات الأولى.
اليابان، رغم امتلاكها جيشًا يضم فقط نحو 247 ألف جندي نشط، تتمتع بأحد أكثر الأساطيل الجوية تطورًا في العالم، حيث تمتلك 45 طائرة F-35 تابعة لقوات الدفاع الذاتي ونحو 200 طائرة F-15 وأنظمة دفاع صاروخي متقدمة SM-3 وPAC-3 وسفن قادرة على تشغيل F-35B ودعم مباشر من الطائرات الأمريكية F-22 وF-35 المنتشرة في قواعدها.
يجعل هذا المزيج من التكنولوجيا الأمريكية الحديثة والقواعد المتقدمة من المجال الجوي والبحري لليابان أحد أكثر البيئات الدفاعية تعقيدًا بالنسبة لأي خصم، رغم الفارق العددي الهائل بين القوات الصينية واليابانية.
معضلة بكين في مواجهة "طوكيو المحصنة"
على الورق، تمتلك الصين أكبر جيش في العالم بأكثر من 2 مليون جندي نشط، مقابل قوة يابانية أصغر بعشرة أضعاف؛ غير أن هذه الأفضلية لا تترجم بسهولة إلى قدرة حقيقية على إخضاع اليابان عسكريًا.
فمن جهة، تحظى اليابان بمنظومة دفاعية متقدمة تقنيًا، تعتمد على مقاتلات شبحية وصواريخ اعتراضية متطورة وغواصات وفرقاطات عالية الكفاءة. ومن جهة أخرى، فإن الطبيعة الجغرافية لليابان، كأرخبيل محصن، تصعّب أي عملية إنزال أو هجوم مباشر.
ومن الناحية السياسية، يدرك صناع القرار في بكين أن أي صراع مسلح سيؤدي إلى انفجار قومي داخل اليابان يعيد تعبئة الرأي العام خلف خيار المواجهة، ما يعني أن الصين لن تواجه دولة منهكة أو مترددة، بل دولة لديها خبرة تاريخية عميقة في الحرب وقابلة للعودة إلى التسليح السريع.
كما أن بكين لم تصل بعد إلى مستوى واشنطن في مجال حاملات الطائرات العاملة بالطاقة النووية، بينما تعتمد طوكيو على الوجود البحري الأمريكي في يوكوسوكا، والذي يضم حاملة الطائرات يو إس إس جورج واشنطن، أحد أعتى الأصول القتالية الأمريكية.
ورغم ما يبدو من تفوق عسكري صيني، فإن اليابان ليست هدفًا سهلًا. شبكة التحالفات، والتكنولوجيا المتقدمة، والذاكرة التاريخية، والموقع الجغرافي، كلها تجعل من أي صراع محتمل مع اليابان مقامرة مكلفة.
ومع تصاعد خطاب الحرب حول تايوان، تبدو بكين مضطرة لإعادة حساباتها بدقة، لأن مواجهة اليابان تعني مواجهة منظومة دفاعية كاملة تتجاوز حدود الأرخبيل الياباني نفسه.