كشفت وثيقة قضائية نُشرت حديثاً، أن حزب الشعب الجمهوري في تركيا، يواجه انقساماً عميقاً بين قيادة الصف الأول، يهدد وحدته ومستقبله ومشاركته في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي يطالب بتنظيمها قبل موعدها.
فقد امتد الصراع القضائي حول أحقية قيادة الحزب، والمستمر منذ عدة أشهر، للعام القادم الذي يخطط الحزب المعارض الأكبر في تركيا، أن يشهد في أشهره الأولى انتخابات مبكرة، بالاستناد لعدة خيارات قانونية ودستورية وبرلمانية تتيح له احتمال تحقيق هدفه ذاك.
ويتزعم حزب الشعب الديمقراطي حالياً، أوزغور أوزيل، بعدما فاز في انتخابات المؤتمر العام عام 2023، متقدماً على الزعيم السابق كمال كليتشدار أوغلو، لكنه واجه عدة دعاوى قضائية لا تزال مستمرة حول شرعية تلك الانتخابات التي يشكك بصحتها رفاق بارزون له.
وثيقة إدانة
حصل حزب الشعب الجمهوري يوم 24 تشرين الأول/أكتوبر من الشهر الماضي، على قرار قضائي يرفض الدعوى المرفوعة لإلغاء نتائج انتخابات مؤتمر حزب الشعب العام رقم 38 الذي عقد عام 2023 وفازت فيه القيادة الحالية بزعامة أوزغور أوزيل.
لكن نص القرار الكامل الذي نُشر أمس الاثنين، تضمن إشارة لوجود أدلة على أن بعض المشاركين في الانتخابات "لم يتصرفوا بشكل أخلاقي" خلال عرض مزايا على الأعضاء الذين يحق لهم التصويت مقابل التصويت لأحد المرشحين: أوزيل أو كليتشدار أوغلو.
ومع ذلك اعتبرت المحكمة المدنية الابتدائية رقم 42 في أنقرة، أنها لا تعتبر تلك التصرفات قد أثرت في إرادة الأعضاء الناخبين، مشيرةً إلى أن الأشخاص الذين قدموا المزايا للمندوبين الذين صوتوا في تلك الانتخابات، يمكن مقاضاتهم بموجب قانون الأحزاب السياسية بتهمة تزوير الانتخابات.
أصوات انتخابية "مشتراة"
وكشف محامي الادعاء في القضية، والذي يمثل أعضاء بارزين في حزب الشعب، يتقدمهم رئيس بلدية "هاتاي" السابق، لطفي سافاش، أن نص الحكم الذي نُشر الآن، يكشف أن المحكمة قضت بفوز أوزغور أوزيل في الانتخابات بأصوات مُشتراة، لكنها اعتبرت أن هذا لا يُبرّر بطلان تلك الانتخابات.
وأكد المحامي "أونور يوسف أوريغون" في بيان نشره عبر "إكس"، أنه تقدم باستئناف ضد القرار، واصفاً ما جرى في انتخابات الحزب عام 2023، بأنها جرائم منظمة باستخدام أموال مجهولة المصدر.
وأوضح المحامي أن المؤتمرات الاستثنائية التي عقدها حزب الشعب بعد المؤتمر العام الـ38 جاءت بقصد التحايل على القانون ومعالجة ما جرى في انتخاب أوزيل لرئاسة الحزب.
صمت مريب
تطالب الدعوى المرفوعة التي مرت بعدة محاكم وجلسات في الأشهر الماضية، بإدانة رئيس بلدية إسطنبول، المسجون حالياً بعدة تهم، أكرم إمام أوغلو، مع مسؤولين آخرين في حزب الشعب، بتهمة التأثير على تصويت مندوبي الحزب؛ ما أسهم بفوز أوزغور أوزيل على كمال كليتشدار اوغلو.
وتعتبر الدعوى المرفوعة التي يقودها لطفي سافاش الذي طُرد من الحزب العام الماضي، كليتشدار أوغلو ضحية، ولم يعترض الأخير على استمرار رفع تلك الدعوى في الأشهر الماضية والتزم الصمت حول الأزمة القضائية التي يواجهها حزبه؛ ما أثار الشكوك حول رغبته بالعودة لمنصبه.
ويمثل كليتشدار الجناح التقليدي في حزب الشعب، وله مؤيدون كثر، مقابل الجناح الجديد الذي يقوده أوزيل، المنتشي بأول هزيمة كبيرة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، في الانتخابات المحلية العام الماضي 2024.
ومن شأن إدراج اسم إمام أوغلو في قضية التلاعب بأصوات مندوبي الحزب، والتي تتضمن عقوبة المدانين فيها السجن لسنوات، أن يزيد من العوائق التي تقف في وجه ترشيحه لتمثيل حزبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
دوامة قضائية
تمثل تلك القضية التي تنتظر جلسة استئناف في الفترة القادمة، إحدى الدعاوى التي تواجهها القيادة الحالية لحزب الشعب الجمهوري، دون أن التخلي عن سحبها رغم إغراق الحزب في دوامة من القضايا.
ففي 13 كانون الثاني/يناير القادم، ستنظر المحكمة الجنائية الابتدائية السادسة والعشرون في أنقرة، القضية ذاتها بعد أن رفضتها سابقاً بداعي عدم الاختصاص، بينما يواجه فرع حزب الشعب في إسطنبول، دعوة تشكييك بشرعية قيادة الفرع أيضاً، وقد عينت المحكمة هناك وصياً على الفرع الأكبر للحزب في محافظات تركيا.
انقسام واستحقاقات
يواجه حزب الشعب الجمهوري ذلك الانقسام الصامت، حتى حول مرشحه لرئاسة الجمهورية، أكرم إمام أوغلو، الذي يؤكد أنه قادر على الفوز بها فيما لو أقيمت بشكل مبكر، خلال الشهر الجاري أو في ربيع العام المقبل على أبعد تقدير.
وبينما يتهم زعيم الحزب، أوزيل، الحكومة وحزب العدالة والتنمية الحاكم، بالضغط على حزبه عبر القضاء، يقول رجب طيب إردوغان إن حزب الشعب يعيش انقساماً وأزمة داخلية لا شأن للحكومة بها، وهي من اختصاص القضاء.
لكن الأحداث التي شهدها فرع الحزب في إسطنبول، في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، بعثت برسالة معاكسة، عندما تدخل المئات من الشرطة لضمان دخول آمن لعضو حزب الشعب، "غورسيل تيكين" لتسلم مهامه وصياً على فرع إسطنبول بدلاً من رئيس الفرع المعزول من المحكمة، "أوزغور تشيليك".
فقد اعترض تشيليك وأعضاء آخرون في الحزب، بجانب مئات المؤيدين لهم، على دخول الوصي رغم كونه رفيقاً لهم، في أكبر انقسام علني عاشه الحزب في الفترة الماضية، ورفض أطراف الصراع الداخلي إقراره في تصريحاتهم أو عبر التلويح بترك الحزب وتشكيل حزب مستقل.
وعلى الجانب الآخر، يقول أوزيل وكثير من قيادات ونواب حزبه، إنهم يدفعون ثمن شعبية حزبهم الكبيرة في الفترة الحالية، عبر تسييس الحكومة للقضاء وإظهار الحزب منقسماً على نفسه، واعتقال رؤساء البلديات المنتخبين التابعين لحزبه دون تقديم أدلة ضدهم. وتنفي الحكومة تلك الاتهامات.
ويهيمن حزب العدالة والتنمية على الانتخابات التركية منذ العام 2002، وهزم مرشحه إردوغان، مرشح حزب الشعب الجمهوري والمعارضة، كليتشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية عام 2023، قبل أن تكتسح المعارضة الانتخابات المحلية العام الماضي، ويفوز حزب الشعب برئاسة عدة بلديات كبرى، بينها إسطنبول وأنقرة وإزمير؛ ما اعتبر بداية لتغيير في المشهد السياسي بتركيا.