ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء
بينما تستعد مولدوفا لانتخابات برلمانية - بعد غد الاثنين - قد تبدو محلية في ظاهرها، تتعامل العواصم الأوروبية والروسية معها كحدث عابر للحدود.
وتُحذر تقارير استخباراتية روسية من أن الاقتراع قد يتحول إلى ذريعة لتكثيف الحشد العسكري لحلف الناتو على حدودها، وفتح بوابة مواجهة جديدة مع موسكو في خاصرة القارة الشرقية.
وأعلنت المخابرات الخارجية الروسية أن أوروبا تستعد لإرسال قوات واحتلال مولدوفا لإجبارها على اتباع "سياستها المعادية لروسيا، وأن حلف الناتو يركز قواته في رومانيا، بالقرب من الحدود المولدوفية، ويعتزم نشر مجموعات في منطقة أوديسا بأوكرانيا.
ووفقًا لمعلومات من جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، وصلت بالفعل دفعة أولى من العسكريين المحترفين من فرنسا وبريطانيا العظمى إلى أوديسا.
ولفتت أن هذا السيناريو تم التدرب عليه عدة مرات خلال مناورات حلف شمال الأطلسي في رومانيا، ويمكن تنفيذه بعد الانتخابات البرلمانية في مولدوفا في 28 سبتمبر/ أيلول 2025.
وجاء في البيان: "يخشى البيروقراطيون الأوروبيون من أن التزويرات الفادحة لنتائج التصويت، التي دبرتها بروكسل وكيسيناو، ستجبر المواطنين المولدوفيين اليائسين على النزول إلى الشوارع للدفاع عن حقوقهم".
ووفق البيان فإنه في هذه الحالة، سيتعين على القوات المسلحة للدول الأوروبية إجبار المولدوفيين على قبول ديكتاتورية تُقدم على أنها ديمقراطية أوروبية.
في قلب هذا القلق والتحركات الأوروبية، يبقى السؤال الأبرز، هل ستصبح انتخابات بعد غد الاثنين ذريعة لتطويق موسكو وتحويل مولدوفا إلى نقطة اشتعال إقليمية؟
ويرى خبراء أن مولدوفا باتت أشبه ببوابة مواجهة جديدة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، حيث تشتعل الساحة السياسية بانقسام واضح بين تيار غربي تدعمه الرئيسة مايا ساندو وآخر موالي لموسكو.
وأكدوا في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن الانتخابات المقررة يوم الاثنين المقبل قد تتحول إلى لحظة مفصلية، إذ تسعى روسيا للتأثير عبر أدوات إعلامية، خاصة أن الناتو يراقب المشهد من كثب وسط تقارير روسية عن خطط أوروبية لإرسال قوات إلى كيشيناو وفرض توجهات معادية لموسكو.
وأضافوا أن القلق يتزايد من استغلال نتائج الانتخابات كذريعة لتصعيد أوسع، خصوصًا مع وجود قوات روسية في إقليم ترانسنيستريا واستمرار الحديث عن تعزيزات عسكرية للناتو على حدود رومانيا وأوكرانيا.
وأشاروا إلى أن الغرب قد يستخدم الاستحقاق الانتخابي لتبرير تحركات ميدانية وصولًا إلى إنشاء قواعد عسكرية قرب البحر الأسود، ما يجعل مولدوفا ساحة جديدة لسباق النفوذ بين موسكو والحلف.
وقال رامي القليوبي، أستاذ الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، إن الوضع في مولدوفا يحمل ملامح مشابهة لما تعانيه أوكرانيا وعدد من الجمهوريات السوفيتية السابقة، حيث تتعايش داخل هذه الدول انقسامات مجتمعية واضحة بين فئات تميل إلى روسيا وأخرى تنحاز إلى الغرب.
وأشار القليوبي في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" إلى أن هذا الانقسام انعكس بصورة متكررة على المشهد السياسي، لا سيما في الانتخابات التي كثيرًا ما تتحول إلى ساحة صراع مكشوف بين التوجهات الشرقية والغربية، فتشهد البلاد موجات من المظاهرات المؤيدة والمعارضة على حد سواء.
وأضاف أن الرئيسة الحالية لمولدوفا مايا ساندو تمثل التوجه الغربي بوضوح، في حين شهدت البلاد في مراحل سابقة رؤساء أقرب إلى روسيا مثل إيغور دودون، وهو ما جعل الانتخابات إحدى أبرز الساحات التي تستخدمها موسكو للتأثير عبر أدوات إعلامية ودعائية لدعم من يتقاطعون مع مصالحها.
ورغم أن حكم ساندو يبدو مستقرًا نسبيًا، إلا أن القليوبي لفت إلى أن التحديات ما زالت قائمة، وعلى رأسها ملف إقليم ترانسنيستريا، الذي يعيش منذ أكثر من ثلاثة عقود حالة من النزاع المجمد، ويضم أقلية كبيرة موالية لروسيا، يحمل كثير من أبنائها الجنسية الروسية، وهو ما يضيف طبقة جديدة من التعقيد.
وأكد الخبير الروسي أن التكامل مع الاتحاد الأوروبي بات خيارًا استراتيجيًا واضحًا في السياسة المولدوفية الحالية، مشددًا على أن الوضع الدولي المضطرب، سواء من جانب روسيا أم الغرب، لا يسمح حاليًا بفتح جبهة صراع جديدة في مولدوفا.
واعتبر أن الطرفين يواجهان تحديات أوسع في مناطق أخرى تجعل التصعيد في كيشيناو أقل أولوية في هذه المرحلة.
من جانبه، رأى د. نبيل رشوان، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، أن مولدوفا لم تعد على هامش الصراع الدولي، بل أصبحت جزءًا من خطوط المواجهة الممتدة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.
وقال رشوان في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" إن موقعها الجغرافي يمنحها أهمية استثنائية، إذ تحدها أوكرانيا من الشرق ورومانيا من الغرب.
وأوضح أن الأخيرة كانت تتطلع لضم مولدوفا إليها عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، لكن وجود إقليم ترانسنيستريا مثّل عائقًا كبيرًا، خاصة مع استمرار تمركز الجيش الرابع عشر الروسي هناك واحتفاظه بمستودعات ضخمة للذخيرة منذ الحقبة السوفيتية وحتى اليوم.
وأضاف المحلل السياسي أن الانتخابات المقبلة في مولدوفا تمثّل اختبارًا حقيقيًا، إذ تتابعها موسكو من كثب وتدخل بثقل إعلامي ودعائي مضاد للاتحاد الأوروبي وللرئيسة مايا ساندو، التي لم تفز إلا بصعوبة في الانتخابات السابقة بفضل أصوات المهاجرين المولدوفيين في الخارج.
وأكد أن حالة القلق تتصاعد داخل البلاد من احتمال فوز التيار الموالي لروسيا بالأغلبية البرلمانية، وهو ما قد يترتب عليه انعطافة كبيرة في السياسة الخارجية للدولة.
وعن تحركات الناتو، أوضح رشوان أن الحلف عزز بالفعل وجوده على الحدود الرومانية، بل وتحدثت تقارير عن تمركز قوات في منطقة أوديسا الأوكرانية القريبة، في خطوة تهدف إلى ممارسة ضغط مباشر على إقليم ترانسنيستريا، ومنع أي تحول انتخابي قد يأتي ببرلمان أو قيادة موالية لروسيا.
وأضاف أن هذه الإجراءات قد تُستخدم ذريعة مستقبلية لتدخل عسكري أو لإنشاء قاعدة للحلف داخل مولدوفا نفسها، خصوصًا بعد الاتهامات المتكررة لموسكو بارتكاب خروقات جوية ضد دول الناتو.
ورأى أن الناتو يسعى اليوم إلى تحويل أوديسا إلى قاعدة رئيسة لمراقبة تحركات الأسطول الروسي في البحر الأسود، معتبرًا أن هذا المشروع يتجاوز الجانب العسكري إلى بُعد استخباراتي واسع، إذ يوفر للحلف موقعًا استراتيجيًا للتجسس والمتابعة.