مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
لم يكن الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر 2023 مجرد شرارة حرب جديدة، بل لحظة مفصلية غيّرت شكل إسرائيل والمنطقة بأسرها؛ فبعد عامين من الهجوم؛ ما تزال تداعيات ذلك اليوم الذي هزّ الشرق الأوسط تتوالى كحجارة دومينو لا تتوقف.
وترى "فورين بوليسي" أن إسرائيل لو اختارت ردًا محدودًا يوازن بين القوة والسياسة، مع إعطاء الأولوية لإنقاذ الرهائن، لربما كان الشرق الأوسط اليوم أمام مشهد مختلف تمامًا، لكن قرار الحرب الشاملة اتُخذ بسرعة، لتتشابك السياسات والغضب والمصالح الحزبية في طريق لا عودة منه.
في واشنطن، اتخذ الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن قراره بزيارة إسرائيل بعد أيام من الهجوم، ظنًّا منه أن الدعم المطلق سيمنحه نفوذًا أخلاقيًا وسياسيًا على حكومة نتنياهو، لكن العناق الذي أراد منه الاحتواء تحوّل إلى ضوءٍ أخضر للحرب المفتوحة.
وعندما اكتشف البيت الأبيض أنه فقد زمام التأثير، كانت غزة قد تحولت إلى ركام، وإسرائيل غارقة في حرب طويلة أرهقتها سياسيًا وأخلاقيًا، وفتحت داخلها جرحًا يصعب التئامه؛ ما يعني أن "اعتماد بايدن الأول" وضع إسرائيل في مسار سياسي مغلق، تمامًا كما كانت قرارات تل أبيب رهينة لتحالف يميني متطرف وجد في الحرب فرصة لتوسيع السيطرة لا لإنهائها.
في كواليس الحكم الإسرائيلي، تكشف شهادات لمسؤولين سابقين أن تل أبيب درست خيار حرب قصيرة ومركّزة لمدة ثلاثة أشهر تستهدف قدرات حماس فقط، لكن الغضب الشعبي وضغط شركاء نتنياهو من أقصى اليمين غيّرا كل شيء.
وهكذا تحولت الحرب من عملية "تكتيكية" إلى فخٍّ استراتيجي، مدفوعٍ برغبة في إعادة احتلال غزة وبناء مستوطنات جديدة في الضفة، فامتدت الحرب واشتعلت السياسة، بينما تآكلت شرعية الدولة في الداخل والخارج مع كل يوم إضافي في القتال.
ترامب و"سلام النار البارد"
واليوم، يحاول دونالد ترامب أن يقدّم ما يسميه "خطة سلام من 20 بندًا" لإنهاء الحرب، غير أن خطته تشبه ما سبقها: ترتيبات لتجميد النار لا لإطفائها.
وبينما يحظى ترامب بقبولٍ إقليمي نادر، فإنه يواجه المعضلة نفسها التي واجهها كل من سبقه: كيف تغيّر مصالح قادةٍ يعيشون على استمرار الحرب؟ كما أن خطته تَعِد إسرائيل بالنصر وتطالب حماس بالاستسلام، لكنها تتجاهل تمامًا جوهر القضية الفلسطينية — الحق في تقرير المصير والعدالة. هكذا يبدو "سلام ترامب" أشبه بسلامٍ على فوهة بركان، هدوءٌ قابل للانفجار في أي لحظة.
ولم تكن حرب غزة حتمية، بل كانت نتيجة متسلسلة لقرارات اتُّخذت تحت وطأة الغضب والطموح والخوف؛ فكل قرار حمل في داخله البذرة التي أنبتت القرار الذي يليه حتى غدت المأساة دائرة مغلقة.
واليوم، وبعد عامين، يبدو أن الجميع، من حماس إلى واشنطن، عالق في طريقٍ لم يعد يعرف كيف يعود منه؛ فالسابع من أكتوبر لم يكن مجرد بداية الحرب، بل الخطأ الأول في سلسلة لا تنتهي من القرارات الخاطئة.