مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
في تصعيد جديد من جانب واشنطن، فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات صارمة على شركتي النفط الروسيتين العملاقتين "روسنفت" و"لوك أويل"، في خطوة تهدف إلى الضغط على الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
العقوبات، التي وُصفت بأنها الأشد منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية قبل 3 سنوات ونصف، دفعت أسعار النفط العالمية للارتفاع بنسبة 5% فور إعلانها، ما يعكس حساسية الأسواق لأي اضطراب في الإمدادات الروسية، التي تمثل أكثر من 5% من الإنتاج العالمي للنفط.
وأربكت الخطوة الأمريكية حسابات كبرى شركات الطاقة في آسيا، إذ علّقت الشركات الصينية الحكومية مشترياتها من النفط الروسي مؤقتًا، بينما قلّصت المصافي الهندية وارداتها بشكل حاد استجابة للضغوط الأمريكية.
وتُبرز هذه التطورات اتساع تأثير العقوبات إلى ما وراء موسكو، لتشمل شركاءها التجاريين التقليديين في آسيا.
ورغم أن التأثير المالي الفوري على روسيا قد يكون محدودًا، فإن واشنطن تراهن على إضعاف عائدات موسكو تدريجيًا ودفعها نحو التفاوض.
تحدي بوتين
في المقابل، ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متحديًا ومستهزئًا بالعقوبات الجديدة، واصفًا إياها بأنها "عمل غير ودي"، مؤكدًا أن الاقتصاد الروسي "لن يتأثر بشكل جوهري"، ومحذرًا من أن "أي تراجع في الإمدادات سيرفع الأسعار عالميًا، ما سيؤذي حتى الولايات المتحدة".
وشدد بوتين على أن "روسيا لا تتخذ قراراتها تحت الضغط"، في وقت تواجه فيه بلاده تحديًا مزدوجًا: العقوبات الغربية من جهة، وتراجع شهية المشترين الآسيويين من جهة أخرى.
بالتزامن، أقر الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات جديدة هي التاسعة عشرة منذ بداية الحرب، تستهدف واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي ومؤسسات مالية في آسيا الوسطى، في مسعى لتقليص موارد موسكو.
ورغم تراجع اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية بنسبة 90% منذ 2022، فإنها لا تزال تستورد ما قيمته أكثر من 11 مليار يورو من الطاقة الروسية سنويًا.
وتأتي هذه الإجراءات في وقت دعا فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى "مزيد من الضغط" على موسكو، معتبرًا العقوبات الأمريكية "خطوة مهمة، لكنها غير كافية"، مطالبًا بدعم عسكري إضافي يشمل صواريخ بعيدة المدى.
واشنطن بين الردع والتفاوض
من جانبه، بدا ترامب متذبذبًا في مواقفه إزاء الحرب الأوكرانية؛ فبعد أن أعلن عزمه عقد قمة مع بوتين في بودابست "لإنهاء الحرب"، عاد ليُلغِيها فجأة، قائلًا إنه "لم يشعر بأنها ستحقق الهدف المنشود".
وبينما اعتبر الكرملين أن التأجيل مؤقت، أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت أن القمة "ما زالت مطروحة مستقبلًا"، لكنها لن تُعقد إلا إذا "كانت مجدية ومثمرة".
ويرى البيت الأبيض أن العقوبات "ضخمة التأثير"، خاصة بعد انخراط الصين والهند في تقليص مشترياتهما من النفط الروسي، ما يزيد عزلة موسكو في الأسواق العالمية؛ لكن محللين يحذرون من أن ارتفاع أسعار النفط قد يُخفف من الألم الاقتصادي على روسيا عبر تعويض الخسائر من ارتفاع الأسعار.
وفي ظل إصرار موسكو على شروطها لإنهاء الحرب – والتي تراها كييف "استسلامًا مقنّعًا" – يبدو أن الصراع يتجه نحو حرب استنزاف اقتصادية طويلة؛ فبينما تراهن واشنطن على العقوبات لتقويض آلة الحرب الروسية، يعتمد بوتين على مرونة الاقتصاد الروسي وعائدات الضرائب الداخلية لمواصلة القتال.
في المحصلة، تعكس العقوبات الأمريكية الجديدة تغيرًا حادًا في نهج إدارة ترامب تجاه موسكو، وتفتح فصلًا جديدًا من حرب الطاقة والسياسة، حيث تمتزج حسابات السوق بحسابات النفوذ الجيوسياسي.
وبينما يشتد الضغط الاقتصادي، يبدو أن العالم يقترب من مرحلة اختبار جديدة في الصراع الأوكراني؛ حيث لن تُقاس القوة فقط بعدد الدبابات، بل بقدرة الدول على الصمود في معركة الموارد والعقوبات.