قال خبراء إن التوتر الجديد بين باريس والجزائر يعكس تعقيدات العلاقة التاريخية والسياسية بين البلدين، حيث كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طالب بضرورة الضغط على الجزائر في ملف الهجرة، ومطالبة الحكومة باتخاذ قرارات جديدة تجاهها.
ورأى الخبراء السياسيون الفرنسيون أن الجزائر لم تعد تعامل من قبل باريس كشريك استراتيجي، بل باتت تُقدَّم في الخطاب السياسي الفرنسي كمصدر تهديد ضمني للرأي العام، خصوصًا في ظل إرث العلاقة المتقلبة بين البلدين.
وأوضحوا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان قد تبنى خلال الأشهر الماضية نهج التهدئة مع نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون، يبدو أنه غيّر موقفه كليًّا في الأيام الأخيرة، في ظل تصعيد واضح تقوده وزارة الداخلية برئاسة برونو ريتايو، مما يعكس تحولًا لافتًا في سياسة الإليزيه تجاه الجزائر.
ومن جانبه، قال أستاذ بمعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، ومتخصص في قضايا الإسلام السياسي والعلاقات المغاربية الأوروبية أوليفييه روا، إن "فرنسا تتعامل مع الجزائر من منظور أمني وتاريخي أكثر منه من منظور شراكة متكافئة"، وهذا يولد حالة دائمة من الريبة والتصلب لدى الطرف الجزائري.
وأضاف روا، لـ"إرم نيوز"، أن تصريحات ماكرون "تندرج ضمن رد فعل سياسي ظرفي يفتقر إلى استراتيجية طويلة الأمد، ويعكس ضغطًا داخليًّا أكثر من كونه توجّهًا دبلوماسيًّا ناضجًا".
ورأى أن الجزائر، كونها قوة إقليمية ناشئة، ترفض أن تُعامل كدولة تابعة أو ملحقة بالمصالح الفرنسية.
واعتبر أن تصريحات ماكرون تمثل "تصعيدًا انتخابيًّا أكثر من كونها استراتيجية دبلوماسية حقيقية"، معتبرًا أن "استغلال ملف الهجرة والعلاقات مع الجزائر بات ورقة داخلية فرنسية".
وأضاف أن الجزائر "لن تقبل أبدًا أن تُعامل كمصدر تهديد في نظر الرأي العام الفرنسي، خاصة بعد عقود من العلاقة المتقلبة".
وأوضح أن ماكرون كان يتخذ موقف التهدئة مع نظيره الجزائر عبدالمجيد تبون، خلال الفترة الماضية، في الوقت الذي يصعد فيه وزير داخليته برونو ريتايو إلا أن موقفه الأخير يعكس تحول تام في سياسته تجاه الجزائر.
وبدوره، أكد خبير في الجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية، متخصص في العالم العربي، ماتيو غايد أن العلاقات الفرنسية الجزائرية تمر بمرحلة شديدة الحساسية، تعكس تراكمات تاريخية وسياسية لم تُحلّ جذريًّا.
ولفت غايد أنه في ظل غياب رؤية استراتيجية مشتركة، يبدو أن سياسة التصعيد ستبقى حاضرة في الخطاب الرسمي، ما لم يتم بناء أرضية جديدة للحوار على أسس الندية والاحترام المتبادل.
وأضاف، لـ"إرم نيوز"، أن "موقف الجزائر الرسمي يعيد صياغة علاقته بفرنسا على قاعدة الندية وليس العاطفة التاريخية، موضحاً أن "أي تحرك فرنسي غير محسوب — مثل تصريحات ماكرون الأخيرة — يُستقبل من الجزائر كاستفزاز سياسي مقصود".
وبين أن "الرد الجزائري الصارم ليس مفاجئًا، بل يعكس سياسة ثابتة لدى الجزائر: كل ما يُفسر كمحاولة فرنسية لتهميش السيادة الجزائرية سيقابَل بتصعيد فوري".
وفي بيان رسمي، صدر يوم الخميس، ردت وزارة الخارجية الجزائرية بغضب على تصريحات ماكرون، واتهمته بتبرئة بلاده من كافة مسؤولياتها.
البيان وصف موقف الرئيس الفرنسي بأنه "يحمّل الجزائر وحدها مسؤولية الأزمة الحالية"، واعتبر أن ذلك "بعيد كل البعد عن الحقيقة والواقع".