يتعامل جيل جديد من الشباب في العراق مع السياسة بلغة مختلفة عن تلك التي هيمنت لعقود، حيث باتت هذه الفئة تعبر عن اهتمامها بالشأن العام من خلال مقاطع مرئية قصيرة، خالية من الأيديولوجيا، ومشحونة بالتفاعل اللحظي والمشاعر المباشرة.
وتحوّلت المنصات الرقمية، خصوصًا "تيك توك"، إلى ساحات سياسية غير تقليدية، يستخدمها المراهقون والشباب للتعبير عن مواقفهم بلغة شعبية وسريعة التأثير، في مقابل تراجع دور الإعلام الرسمي والمنابر الحزبية التقليدية.
وازدادت أهمية هذا الفضاء مع تصاعد الإحباط الجماهيري من الأحزاب والمؤسسات، ما منح المحتوى السياسي القصير والمباشر قدرة على الوصول لجمهور واسع، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والمعيشية المتراكمة.
تحول عميق
بدوره، يرى الصحافي والباحث السياسي، علي الحبيب أن "جيل تيك توك في العراق يُمثّل تحوّلًا عميقًا في طريقة تعاطي الشباب مع القضايا السياسية والاجتماعية، بعدما تخلّص من القيود التقليدية التي شكّلت المشهد العام لعقود طويلة".
وأضاف الحبيب لـ"إرم نيوز" أن "هذا الجيل يستخدم مقاطع فيديو قصيرة يغلب عليها الطابع الساخر أو الحماسي، للتعبير عن إحباطه من الفساد وسوء الخدمات، والبطالة والمشاكل الاجتماعية، بلغة مباشرة تصل سريعًا إلى أقرانهم وتؤثر فيهم بقوة".
وأوضح أن "هذه اللغة الجديدة تعتمد على العاطفة أكثر من التحليل السياسي أو الفهم العميق لسياق الأحداث وتفاعلات العمل السياسي، لكنها تعبّر بصدق عن حالة من الرفض الجماعي للخطاب الحزبي، الذي يُنظر إليه على أنه منفصل عن الواقع اليومي".
ويُظهر محتوى الفيديوهات السياسية المتداولة عبر "تيك توك" وغيرها من المنصات أن معظم ما يُبث لا يتجاوز الدقيقة، ويركز على قضايا يومية ملموسة، وغالبًا ما يستخدم الفكاهة أو التهكم كوسيلة جذب.
حديث السياسة ممل
وتشير بيانات مركز الإعلام الرقمي إلى أن عدد مستخدمي "تيك توك" في العراق بلغ نحو 34.3 مليون مستخدم حتى عام 2025، مما يجعل المنصة من بين الأكثر انتشارًا في البلاد، لا سيما بين فئة الشباب.
بدوره، يرى حيدر حسن (17 عامًا) من العاصمة بغداد أن "الحديث في السياسة بات مملًا، ولم يعد كثير من الشباب يرغبون في متابعته، لكن منصة تيك توك جعلت المواضيع السياسية أكثر سهولة وبساطة؛ إذ يمكن أن يشاهد المرء مقطعًا طريفًا، لكنه في الحقيقة يُسلّط الضوء على مشكلة واقعية".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "معظم أصدقائه لا ينتمون إلى أي تيار سياسي، لكنهم يتابعون كل ما يُنشر على مواقع التواصل، لأنها تُتيح التعبير بحرية وبطريقة أسهل من النقاشات التقليدية أو حتى المشاركة في الانتخابات".
ويجد كثير من الشباب العراقي في منصات الفيديو مساحة شخصية للتعبير دون خوف أو رقابة، مستفيدين من طبيعة التطبيقات التي تتيح النشر السريع والتفاعل الواسع.
أما مريم علي (16 عامًا) من محافظة كركوك شمالي العراق، فترى أن "المقاطع التي يشاهدها الشباب على (تيك توك) أو ريلزات فيس بوك تعبّر عنهم بشكل أكبر من خطابات السياسيين أو ما يُعرض في نشرات الأخبار".
وأضافت لـ"إرم نيوز" أن "اللغة المباشرة والمقرّبة من واقع الشباب تجعل الجمهور يتفاعل معها بسهولة، حتى وإن لم يكن ملمًّا بالسياسة، لأنه يشعر بأنها تمسّه مباشرة".
هل الأحزاب في ورطة؟
وتجد أغلب الأحزاب العراقية التقليدية – وفق مختصين - صعوبة في مواكبة هذا الخطاب السريع والمتحرر من القوالب الكلاسيكية، إذ تعتمد على منابر قديمة لا تجذب جمهور المنصات الحديثة.
وتواجه هذه الأحزاب تحديًا مضاعفًا يتمثل في إعادة صياغة رسائلها، والوصول إلى جمهور لا يُؤمن بالشعارات، ولا يتعامل مع السياسة بوصفها هوية ثابتة أو التزامًا طويل الأمد.
ومع قدوم الانتخابات النيابية المقررة في تشرين الثاني المقبل، يُتوقع أن تزداد وتيرة المحتوى السياسي على منصات مثل (تيك توك)، حيث تتحوّل قضايا مثل البطالة، وغياب الخدمات، والفساد الإداري، إلى مواد مختصرة وساخرة تلقى رواجًا كبيرًا بين الشباب.