هاجمت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية نظيرتها الأمريكية "نيويورك تايمز" لأنها استسلمت للضغوط، ونشرت اعتذارًا عن صورة الطفل الغزي محمد المتوكل، الذي تحوّل إلى رمز للمجاعة في غزة، مروّجةً للرواية الإسرائيلية بأن مرضًا مزمنًا هو ما سبّب حالته الصحية الحرجة هذه، وليس الجوع.
وشنّت الصحيفة العبرية المناوئة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هجومًا شرسًا على ما أسمته "حملة إنكار إسرائيلية لعدم وجود جوع في القطاع"، مشدّدة على أن الأدلة القاطعة حول الوضع في غزة تتراكم من مصادر متنوعة، ولن يُغيّرها توصيف صورة واحدة في الأمر شيئًا.
صورة المتوكل
وقال نير حسون، المحلل السياسي في الصحيفة العبرية، إن صورة المتوكل وهو بين يدي والدته انتشرت حول العالم بشكلٍ غريب لتأثر الجميع بها، ونُشرت أيضًا في "هآرتس"، وأصبحت رمزًا من رموز الجوع في غزة. فالجوع الجماعي لا يضرب بالتساوي، وأول الضحايا هم دائمًا الأطفال المصابون بأمراض شبيهة بحالات المتوكل.
وأوضح حسون أن الطعام الخاص الذي تتطلبه حالة المتوكل ضربٌ من ضروب المستحيل في غزة، مع المجاعة التي فرضتها إسرائيل على القطاع، وكذلك القدرة على تلقي الرعاية الطبية الكافية في ظل تدمير النظام الصحي وجميع البنى التحتية للحياة في القطاع، بخلاف عيش معظم السكان نازحين في خيام ممزقة، في ظل درجات حرارة عالية، وتفشي الأمراض المعدية. لذا، فإن الحالة الصحية للمتوكل، كما تظهر في الصورة، دليلٌ إضافي على انتشار الجوع والدمار في القطاع، وليس العكس، كما تتصور الرواية الإسرائيلية الرسمية.
وأضاف حسون أن مُنكري المجاعة الإسرائيليين لم يكلفوا أنفسهم عناء كتابة كلمة واحدة عن الجوع في غزة، مدّعين أنها غير موجودة، وأن إسرائيل وقعت مرة أخرى ضحية لما يعرفونه بـ"الافتراء الدموي الكاذب"، على حد تعبير بيان وزارة الخارجية.
جرعة تهدئة
وسارعت جميع المواقع الإخبارية والفضائيات في إسرائيل إلى نشر قصة النفي الأمريكي في عناوين الأخبار، وإرسال تنبيهات عبر الهواتف، تلقاها الجمهور الإسرائيلي كجرعة تهدئة، مفادها: "لا يوجد جوع حقًا، هناك فقط حملة مضادة للترويج عن الجوع".
وتساءل المحلل الإسرائيلي: لماذا لم يتحدث أي من مُنكري المجاعة الغزية في إسرائيل مع شخص واحد في غزة؟ مثلًا: طبيبٌ يتضور مرضاه جوعًا؟ عامل إغاثة يصف حشودًا تنبش في القمامة؟ أمٌّ تحاول فرز العدس المتساقط في الرمال؟ أبٌ يائسٌ يحاول الحصول على طعامٍ لأطفاله الباكين من الجوع؟
"أسوأ سيناريو"
وبحسب تأكيداته، يقول حسون، إن أدلة المجاعة الجماعية القاتلة في غزة لا لُبس فيها، وصورةٌ واحدةٌ لن تُغيّر شيئًا؛ حيث أصدر "التصنيف المرحلي المتكامل"، وهو أهم هيئة دولية في العالم لرصد الجوع، أشدّ تحذيراته حتى الآن بشأن قطاع غزة، تحت عنوان "أسوأ سيناريو".
وتُظهر بيانات التصنيف الأممي أن أكثر من 20,000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، وأكثر من 3,000 يعانون من سوء التغذية الحاد جدًا، وأن حوالي ثلث سكان غزة قد قضوا أيامًا دون طعام.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يعاني طفلٌ من كل 5 أطفال في قطاع غزة من سوء تغذية حاد. وحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، نُقل 6000 طفل إلى المستشفيات في يونيو/ حزيران فقط بسبب سوء التغذية.
وأفادت منظمة "أنقذوا الأطفال" أمس، بأن عدد الأطفال الذين تعالجهم من سوء التغذية قد تضاعف 10 أضعاف في 4 أشهر. ووجدت عيادات الأمم المتحدة أن 8.8% من الأطفال الذين فُحصوا في الأسبوعين الأولين من يوليو/ تموز، كانوا يعانون من سوء تغذية حاد، مقارنة بنسبة 2% في فبراير/ شباط.
كما وُجد أن 43% من النساء الحوامل والمرضعات اللواتي فُحصن، يعانين من سوء التغذية؛ أي 3 أضعاف النسبة في مارس/ آذار.
وقد تُوفي 147 شخصًا، من بينهم 88 طفلًا، جوعًا. ولن تختفي هذه الحقيقة بسبب وصف غير دقيق لصورة، هي نفسها تحمل الدليل على المجاعة الجماعية القاتلة في غزة، والتي لن تستطيع إخفاءها.