ترامب يوقع أمرا تنفيذيا يجيز فرض عقوبات على دول متواطئة في احتجاز أمريكيين "بشكل غير قانوني"
البعض هنا في واشنطن يقول عنه إنه أمر كان متوقعا، والبعض الآخر يقول إنه لم يكن مستبعدا في أحسن الأحوال.. ذلك هو الذي يحدث في الأيام التي أعقبت الاحتفال بعيد الشكر بشأن تعيين الرئيس المنتخب دونالد ترامب لمذيع فوكس نيوز "بيت هيغسيت" وزيرا للدفاع.
مسار النقاشات التي تشهدها العاصمة واشنطن لا يختلف عن ذلك شكلا ومضمونا، الذي كان قد ارتبط بوزيره المعين سابقا للعدل مات غيتز، والذي انتهى أخيرا بالنائب الجمهوري السابق إلى الانسحاب من الترشيح وفسح الطريق أمام المدعية العامة السابقة لولاية كاليفورنيا لتكون المرشحة البديلة لترامب في أحد المواقع الأكثر أهمية بالنسبة للرئيس المنتخب في ولايته الثانية.
في الساعات الماضية خرج السيناتور الجمهوري المحافظ عن ولاية ساوث كارولينا واحد الداعمين الكبار والمقربين جدا من الرئيس ترامب لينزي غراهام ليقول، إن حظوظ المصادقة على تعيين هيغسيت في مجلس الشيوخ تبدو معقدة جدا، وأن الكثير من الأعضاء سوف يضعون المرشح لوزارة الدفاع في حرج كبير، ليس فقط على مستوى قلة خبراته الإدارية لإدارة واحدة من أكبر مؤسسات البلاد على الإطلاق وأكبر مؤسسة عسكرية من نوعها في العالم بضمها 3 ملايين من الموظفين المدنيين والعسكريين داخل الولايات المتحدة وفي بقية جهات العالم.
لم يعد النقاش هنا في واشنطن يقتصر عند الحديث عن هيغسيت على الجوانب المتعلقة بالقدرات الإدارية وانعدام خبراته في هذا الاتجاه، ولكن ما أثير في الأسبوعين الأخيرين بشأن معاناته الشخصية في الاستهلاك المفرط للمشروبات الكحولية، وسجله في التعامل مع النساء.
هاتان القضيتان المرتبطتان بالسجل الشخصي للوزير المعني تصدرها الحديث حول العسكري المتقاعد الذي عمل في غوانتنامو والعراق وأفغانستان قبل أن يجد نفسه يعمل مذيعا على قناة "فوكس نيوز" ومقدم برنامجها الصباحي في نهاية كل أسبوع.
وهناك نشأت علاقة الصداقة بينه وبين ترامب قبل أن تنتهي هذه الصداقة إلى لحظة إعلان ترامب اختيار العسكري السابق وزيرا للدفاع في ولايته الثانية في البيت الأبيض.
ما قال به السيناتور غراهام لم يقتصر فقط على ذلك التحذير المبطن للرئيس ترامب وفريقه الانتقالي من خلال الإشارة إلى أن الوزير المعين لن يجد طريقه سهلا الفوز بالأصوات المطلوبة للمصادقة على تعيينه ليس فقط بين الأعضاء الديمقراطيين ولكن حتى داخل المجموعة الجمهورية التي يتحفظ فيها ستة على الأقل من الأعضاء الجمهوريين على تعيين هيغسيت على رأس مؤسسة فيدرالية بحجم البنتاغون.
تصريحات السيناتور الجمهوري المؤيد بالمطلق لترامب في واشنطن جاءت في الوقت الذي يقوم فيه مرشح ترامب بسلسلة لقاءات وجولات وحوارات مع الأعضاء الشيوخ في مبنى الكابيتول وهي اللقاءات التي تمت بناء على طلب من الرئيس ترامب بترتيب من نائب الرئيس السيناتور عن ولاية اوهايو جيدي فانس.
هذه اللقاءات لم تحقق لليوم الثاني على التوالي أي تقدم في حظوظ الوزير المعين في سعيه من أجل شرح مواقفه خاصة بعد ظهور تلك التقارير الصحفية التي جاءت من داخل قناة "فوكس نيوز" ومن موظفيها، أن هيغسيت لا يزال حتى الآن يعاني من أزمة الإفراط في الشرب، وأنهم يعانون من هذه المسالة في فترات العمل معه خاصة في الصباح الباكر التي عادة ما يصل فيها إلى أستديوهات القناة متأخرا عن المواعيد المفترضة، وفي أغلب الأوقات من محلات السهر لساعات نوم معدومة أو قليلة
يقول موظفون لقناة الفوكس، سابقون وحاليون، إن الإفراط في الشرب بالنسبة لهيغسيت وحدها مسألة كافية لعدم المصادقة عليه في منصبه الجديد، وأنه غير مؤهل لإدارة مؤسسة حيوية للأمن القومي والعالمي بحجم وزارة الدفاع.
العسكري المتقاعد لا يواجه مشكلة السيرة الشخصية المعقدة مع زملاء العمل في قناة "فوكس" فقط، هناك أيضا تلك الشهادة التي كتبتها والدته في رسالة والتي تشير إلى معاناتها في سعيها لمساعدته خاصة فيما يتصل بعلاقته بالنساء، وهي الرسالة التي شكلت صدمة مدوية في واشنطن، والأمر يتعلق هنا بشهادة أم عن ابنها.
هيغسيت سارع إلى إحضار والدته وظهورها معه في الكونغرس في محاولة لتصحيح الصورة وإظهار أن العلاقة بينهما على أحسن وجه، وجاءت الأم من جانبها لتظهر للأمريكيين أنها الأم الجيدة التي تدعم ابنها في مواجهة هذه العاصفة من الانتقادات، وتثبت أنه لائق لقيادة وزارة الدفاع، وأن ما كتبته في رسالتها لا يعدو سوى أن يكون حالة.
الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب أعلن في بيان، أن هذه الاتهامات التي يواجهها المرشح هيغسيت لا تعدو سوى أن تكون هجمات شخصية لا تستند إلى وقائع على الأرض.
وجدد بذلك التأكيد على أن قيادة مذيع "فوكس" لوزارة الدفاع ستكون واحدة من المهام العسكرية التي أنيطت به في حياته المهنية وسوف يكون أهلًا لها، كما فعل في مهامه العسكرية السابقة التي ترك خلالها سمعة طيبة في جميع الميادين التي قاتل فيها.
يقول إعلامي أميركي مخضرم تعليقا على أحاديث العاصمة واشنطن طيلة إجازة عيد الشكر وما تبعها من حديث في الكابيتول عن هيغسيت، إن الوزير المعين في هذا المنصب الحيوي يستحق التقدير على ما قدمه من سجل جيد خلال خدمته العسكرية قبل تقاعده.
لكنه على المستوى الشخصي بات واضحا من خلال هذه الشهادات أنه بحاجة للمساعدة النفسية والطبية لإدارة سيرته الشخصية وليس قيادة وزارة الدفاع في هذا التوقيت الجيوسياسي العالمي المعقد جدا.
عندما كان مرشح ترامب لوزارة الدفاع يجري مشاوراته من وراء الأبواب المغلقة مع الشيوخ الجمهوريين في مبنى الكابيتول، كان الغرماء الديمقراطيون في تلك الساعات منشغلون بانتخاب زعيم جديد للأقلية الديموقراطية في المجلس بدءا من مطلع العام المقبل.
كما كان متوقعا ذهب الديمقراطيون بأعضائهم السبعة والأربعين إلى تجديد الثقة في زعيمهم القديم الجديد تشاك شومر لقيادتهم في المرحلة الجديدة.
شومر الذي يتزعم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ منذ العام ألفين وسبعة عشر لم ينتظر طويلًا ليقول إن الوظيفة الأساسية للشيوخ هي التأكد من أن الرئيس عين الأشخاص المؤهلين للخدمة في المناصب العليا في البلاد، وهي إشارة كافية لما يريد الديمقراطيون إظهاره في الأيام المقبلة فيما يتعلق بالتعيينات المثيرة للجدل التي أقدم عليها ترامب حتى الآن.
الديمقراطيون لم ينتظروا طويلا لإعلان تحفظاتهم عن هيغسيت، وبصورة محددة بشأن موقفه من النساء عندما أعلن في مناسبات سابقة أن النساء العاملات في القوات المسلحة لا يجب أن يشاركن في المهام القتالية؛ لأن أداءهن في هذه المهام أقل كفاءة من الرجال، وهو التصريح الذي فسر على أنه انتقاص من إسهام النساء الأمريكيات العاملات في الجيش، والمقدر عددهن بنسبة العشرين بالمئة من مجموع العاملين في القوات الأمريكية.
ما قال به الشيوخ الديموقراطيون دعمه أعضاء جمهوريون ضمنيا بإعلانهم ان كل امرأة أميركية يافعة من حقها أن تشعر بالفخر عند انضمامها إلى القوات المسلحة وليس مواجهة هذا النوع من الاتهامات والانتقاص من قدراتها في الأداء العسكري.
ويضيف الديمقراطيون إلى ذلك القول، كيف سيكون موقف الوزير الجديد في حال المصادقة عليه أمام نساء القوات المسلحة في إدارة الشؤون اليومية والعسكرية لوزارة الدفاع بعد هذه التصريحات؟
في أقل من شهر وجد الرئيس المنتخب دونالد ترامب نفسه في مواجهة واشنطن مرة ثانية بعد تلك التجربة التي انتهت به إلى سحب ترشيح الوزير المعين للعدل مات غيتز قبل أعياد الشكر، و بقرار منه شخصيا؛ بحجة أنه لايريد أن يعرقل مسار الإدارة الجديدة، ومن هناك فضل الانسحاب من الترشيح الرئاسي.
في الوقت الحاضر تدور نقاشات جادة على مستوى فريق ترامب الانتقالي أن تكون هناك خطة بديلة لتعيين هيغسيت، والبديل الجاهز هذه المرة هو حاكم ولاية فلوريدا والمرشح الرئاسي السابق رون ديسنتيس.
الحاكم الحالي لولاية فلوريدا، يقول مقربون من ترامب، لـ"إرم نيوز"، إنه يبدو كمرشح مثالي لوزارة الدفاع؛ وذلك بسبب خلفيته العسكرية هو الآخر بالنظر لخدمته السابقة في الجيش الأميركي وقتاله في مناطق الحروب في العراق وأفغانستان، وهو صاحب سجل سياسي حافل من النجاحات كحاكم لولاية فلوريدا كما أنه يُنظر إليه وسط الجمهوريين على أنه مستقبل الحزب الجمهوري في مرحلة ما بعد دونالد ترامب.
هذه الصورة البراقة للحاكم الجمهوري تجعل من طريق المصادقة عليه في الكونغرس مسألة يسيرة؛ بسبب خدمته السابقة في مجلس النواب، وهو ما يجعله يتمتع بشبكة علاقات واسعة في مبنى الكابيتول إضافة إلى وجوده كاسم لامع على الساحة الوطنية كحاكم لواحدة من أهم الولايات سياسيا واقتصاديا في البلاد، إضافة إلى سجالاته السياسية المتجددة مع الغرماء الديمقراطيين بشأن أجندة حكمه التي يصفها الغرماء بالمحافظة جدا.
يقول المقربون من ترامب، إن الرئيس المنتخب تعلم الدرس جيدا من ولايته الأولى بضرورة تجنب الدخول في معارك كلامية طويلة وإجراءات معقدة على مستوى الكونغرس في سبيل الحصول على المصادقة المطلوبة للوزراء المعنيين في حكومته، وإنه هذه المرة يرغب في ربح الوقت الكافي وعدم الانتظار طويلا كما حدث في ولايته السابقة؛ وذلك بتجنب الدخول في هذه الصدامات باستبدال الأسماء المثيرة للجدل بأسماء مقبولة سياسيا في واشنطن.
ترامب الذي أراد في وقت سابق تجاوز هذه الإجراءات المعقدة في مبنى الكابيتول كان يرغب في إيجاد حل سريع لتخطيها؛ لاعتقاده أن الأغلبية الجمهورية الجديدة في المجلس سوف تساعده على تمرير الأسماء التي يراها هو شخصيا مناسبة لقيادة المرحلة المقبلة، لكن واشنطن أظهرت عنادها حتى قبل بداية الولاية الثانية لترامب رسميًّا، من خلال اضطرار ترامب إلى سحب مرشحه لوزارة العدل قبل أسبوعين من الآن، وهاهو قد يضطر مرة ثانية وخلال أقل من شهر إلى سحب وزيره المعين للدفاع وبضغط معلن من الكونغرس مرة ثانية.
هذه المؤشرات تكفي لرسم صورة عما سوف يكون عليه المشهد في العاصمة الأمريكية خلال السنوات الأربع المقبلة بين رئيس يعود إلى البيت الأبيض مجددا لتنفيذ أجندة محافظة في أغلب توجهاتها، وكونغرس منقسم على نفسه بصورة تكاد غير مسبوقة حتى لو كان الجمهوريون هم من يحوز على الأغلبية في المجلسين؛ بحسب نتائج انتخابات الخامس من نوفمبر الماضي، لكن واشنطن وفية دائما لخصوصيتها السياسية.