تصاعدت الدعوات في العراق للنأي بالنفس، على وقع الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي رفعت منسوب القلق من احتمال تحوُّل الأراضي العراقية إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.
ومنذ اندلاع المواجهة بين إسرائيل وإيران، بعد ضربات جوية إسرائيلية وُصفت بأنها الأكبر منذ سنوات، بدأت ميليشيات مسلحة عراقية تتأهب للتدخل دعمًا لطهران، في حال توسعت دائرة الهجمات أو تعرضت مواقعها لضربات داخل العراق أو خارجه.
وفي هذا السياق، هدَّد الأمين العام لميليشيا "كتائب سيد الشهداء"، أبو آلاء الولائي، بإرسال "المئات من الاستشهاديين"، بحسب تعبيره، لمهاجمة المصالح الأمريكية، في تغريدة أثارت ضجة واسعة في الداخل العراقي.
بدوره، قال الباحث في الشأن السياسي عبد الله الركابي، إن "دخول بعض الميليشيات العراقية على خط المواجهة بين إسرائيل وإيران قد يجرُّ البلاد إلى وضع أكثر تعقيدًا، ويُعيد شبح العقوبات والضربات الجوية الأجنبية".
وأضاف الركابي، لـ"إرم نيوز"، أن "الموقف الرسمي العراقي اليوم يتسم بالحرج الشديد؛ فالحكومة تؤكد النأي بالنفس، لكن على الأرض هناك عناصر مسلحة لها ارتباط مباشر بإيران، وقد تجد نفسها في مواجهة فعلية مع القوات الأميركية أو حتى الإسرائيلية في حال توسعت الهجمات".
وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قد دعا إلى "إبعاد العراق عن صراعات الخارج"، محذرًا من تحوُّل البلاد إلى ساحة لتبادل الرسائل بين أطراف إقليمية ودولية، فيما طالبت أطراف سياسية أخرى الحكومة باتخاذ إجراءات ملموسة لتأكيد السيطرة على الميليشيات المسلحة ومنعها من تنفيذ عمليات قد تجر البلاد إلى حرب أوسع.
ويرى مختصون أن العراق سيكون الخاسر الأكبر في حال زُجَّ في هذه الحرب، خاصة وأن الضربات الإسرائيلية الأخيرة كشفت عن هشاشة الدفاعات الجوية الإيرانية، وهو ما قد يدفع طهران لتعويض أي خسارة عبر أذرعها الإقليمية، بما فيها الميليشيات العراقية.
وتشير تقديرات أمنية إلى أن أي هجمات انتقامية تنطلق من الأراضي العراقية قد تواجه برد سريع، وقد تشمل ضربات جوية تستهدف مقارَّ ومستودعات أسلحة في مناطق مثل جرف الصخر والقائم وغرب الأنبار، وهي مناطق يُعتقد أنها تضم قواعد ومنشآت حساسة للميليشيات المرتبطة بإيران.
في سياق متصل، أصدر "تيار الخط الوطني" (حزب بقيادة شبابية) بيانًا شدد فيه على أن استمرار انتهاك الأجواء العراقية وتوظيفها ممرًّا للضربات بين إسرائيل وإيران يمثل خرقًا للسيادة وتهديدًا للأمن الوطني.
ودعا الحزب إلى "موقف موحَّد يضمن بقاء العراق خارج دائرة الحرب الإقليمية، ويعيد تثبيت مكانته كدولة ذات سيادة وقرار مستقل".
من جانبه، قال الدبلوماسي العراقي السابق، ومدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، إن "إسرائيل نجحت عبر ضرباتها الأخيرة في بعثرة أوراق التفاوض بين طهران وواشنطن، وأرادت بهذه العملية الواسعة تقويض قدرة إيران على التفاوض من موقع قوة بشأن برنامجها النووي".
وبيَّن خلال حديثه، لـ"إرم نيوز"، أن "انخراط الفصائل العراقية في هذه الحرب سيعني تلقائيًّا فتح باب الرد الإسرائيلي أو الأميركي على مواقعها داخل العراق، وهو ما قد يعيد إلى الأذهان سيناريو التصعيد عام 2020، حين قُصفت بعض مقار الحشد الشعبي بغارات غير معلنة".
ويُجمع محللون على أن بغداد تقف أمام اختبار صعب في كيفية ضبط الجماعات المسلحة ومنعها من تحويل الأراضي العراقية إلى ساحة ردٍّ أو هجوم، وسط تحذيرات من أن أي انفلات أمني قد يهدد استقرار البلاد الهش ويعرض مصالحها الاقتصادية والدبلوماسية لعقوبات أو تدخلات جديدة.
وتتحرك الميليشيات المسلحة في العراق عبر مسارات مختلفة لدعم إيران في حربها مع إسرائيل، من بينها تحريك الشارع العراقي إعلاميًّا وشعبيًّا، حيث شهدت العاصمة بغداد، الجمعة، تظاهرة لأنصار بعض الميليشيات، رفع المشاركون فيها شعارات مؤيدة لإيران.