كان مشهد الفتاة "ميرا جلال ثابت" ابنة مدينة تل كلخ التابعة لمحافظة حمص، التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، صادما بشكل غير مسبوق لآلاف السوريين الذين توحدت صفحاتهم بصورها ما قبل وما بعد "رحلة السبي".
ظهرت الفتاة العشرينية وهي برفقة شاب (الزوج المفترض) وبحماية من الأمن العام، وهي تُجر إلى منزل ذويها متخفية تحت عباءة أفغانية تثقل كاهلها، تخفي نظرات الانكسار تحت البرقع الأفغاني، وتستغيث بصمت من مصير لم تختره ولم يوافق عليه أهلها.
عادت ميرا منقبة، مكسورة، وخلفها رواية جاهزة عن "زواج رضائي"، وهي رواية يقول من يعرفون ميرا وأهلها إنها خُطّت تحت فوهة بندقية، بعد أن اعتُقل والدها وأُجبر على توقيع تعهد مفاده "إما أن يتبنى الكذبة أو يُصفّى".
ماذا حدث؟
"إرم نيوز" حاول التحقق من قصة الفتاة السورية "العلوية" التي أصبحت حديث الساعة خلال الـ24 ساعة الماضية، في وقت هدد حقوقيون وناشطون سوريون بنقل قضيتها إلى المحافل الدولية ومنظمات حقوق الإنسان باعتبارها "سبية تم بيعها" و"ضحية لاستعباد جنسي" تحصل في القرن الحادي والعشرين، بتواطؤ بعض عناصر من الأمن العام، وإدارة المعهد الذي تدرس فيه الفتاة، مطالبين السلطات السورية بالتحرك الفوري لفك أسرها وعتقها من مغتصبيها ومعاقبتهم بأقسى العقوبات.
تقول إحدى قريبات الفتاة خلال حديثها، لـ"إرم نيوز"، إن محنة ميرا بدأت في السابع والعشرين من أبريل/ نيسان الماضي عندما تم خطفها من معهد إعداد المدرسين في منطقة الدبلان الشهيرة بحمص، رغم مرافقة والدها لها، حيث انتظر خروج ابنته لساعات دون جدوى.
تتحدث القريبة عن تواطؤ المعهد (إعداد المدرسين) في عملية الخطف؛ نظرا لإصرار إدارة المعهد على أهل الفتاة لإرسالها إلى المعهد لتقديم امتحاناتها، رغم الوضع الأمني الخطير الذي تسبب في امتناع الأهالي (العلويين) عن إرسال أبنائهم إلى المدارس والجامعات منذ أشهر، وخاصة في مدينة حمص التي تشهد بشكل يومي حوادث قتل واختطاف بحق العلويين.
وتضيف: "عندما لم تعد ميرا، راجع والدها المعهد للاستفسار، فأنكرت المديرة أن الفتاة لديها امتحانات من الأساس، كما نفت قيامها بالاتصال، رغم أن المتصلة قدّمت معلومات دقيقة تتعلق بالحالة الدراسية لميرا، وهي تفاصيل لا يمكن معرفتها إلا من سجلات المعهد، ما عزّز الشكوك بوجود تواطؤ داخلي في الحادثة.
وأكدت قريبة الفتاة بأن والدة ميرا ما زالت تحتفظ بسجلات الاتصال من قبل مديرة الشؤون في المعهد ذاته، أُبلغت خلاله بضرورة حضور ابنتها لأداء امتحانين شفهي وكتابي، مع وعد بأن المديرة ستقوم بتسهيل الأمر ومساعدتها لكي تنهي سنتها الدراسية الثانية والأخيرة في المعهد.
وتلفت قريبة ميرا إلى أن "عناصر من الأمن العام اعتقلوا والد الفتاة بعد أن تقدم بشكوى عن خطف ابنته، بدعوى اتهام كاذب، بدلا من مساعدته في البحث عنها والتحقيق مع إدارة المعهد، ليتم الإفراج عنه قبل يوم من ظهور الفتاة في بيت أهلها" على حد قولها.
التهديد لم يطل الأب والعائلة فقط، بل طال أهالي قرية المخطبية كما تؤكد، متوعدين إياهم بأن "أي دحض لرواية الأمن العام عن الفتاة سيقابَل بحرق القرية وإبادتها، كما حصل مع العديد من القرى العلوية" على حد تعبيرها.
"ظهور" ميرا
بعد أكثر من 10 أيام على اختفاء ميرا، ظهرت أمس بزيّ شرعي منقّب "أفغاني"وبرفقة عناصر أمنية، وهي تعود إلى منزل أهلها، ليتم تقديمها في الإعلام الرسمي كـ"زوجة محبة" هربت إلى إدلب، وليتبين أن المذيع الذي أجرى مقابلة مع "العريس والعروس"، لتثبيت الرواية، هو صديق الشاب، حيث ظهرت لهما الكثير من الصور والفيديوهات المشتركة لاحقا.
مصادر متقاطعة أكدت أن الشاب الذي تم تزويجه لميرا ( عمره 20 عاما) واسمه أحمد الفجر، يعمل بائع ورد في مدينة حمص، وقد استُخدم ليغطي على جريمة خطفها واغتصابها في إدلب، وهو شاب مثير للجدل، حيث تم فضحه من قبل أصدقائه بأن لديه سيرة سيئة، حيث تم تسريب محادثاته "الجنسية" مع أصدقائه.
شبكة لبيع الفتيات
تكشف مصادر سورية متقاطعة أن قصة خطف ميرا مدبرة بالكامل، تقف وراءها شبكة تعمل في محافظات الساحل بشكل أساسي، وفي حمص وحماة ودمشق بشكل أقل، وتُدار من إدلب، حيث يتم تنسيق خطف الفتيات والنساء وبيعهن إلى إدلب، وحالة ميرا ليست الأولى، حيث تم اختطاف عشرات الفتيات والنساء من الساحل السوري والأحياء العلوية في حمص وحماة، ليتم نقلهن إلى إدلب، وتقديمهن لأمراء ومقاتلين أجانب (شيشان وأوزبك وتركستان) مقابل 5 آلاف عن كل فتاة "سبية"، لتختفي بعدها هؤلاء الفتيات بمعظمهن، فيما يتم بيع بعضهن لأكثر من مرة، ومنهن تم بيعهن إلى لبنان.
اختفاء "ممنهج"
"المرصد السوري لحقوق الإنسان" كشف أن مصير خمسين سيدة من الطائفة العلوية لا يزال مجهولا، بعد اختفائهن في ظروف غامضة منذ بداية العام الجاري، في سلسلة حوادث متفرقة شهدتها عدة محافظات سورية، من بينها حمص، طرطوس، اللاذقية، وحماة.
وأضاف أن حالات الاختفاء التي تتخذ طابعا ممنهجا أثارت مخاوف واسعة، خصوصا في ظل تصاعد أعمال العنف والجريمة، وتنامي ظاهرة الإفلات من العقاب.
وبحسب ما وثقه المرصد، تعرّضت النساء للاختطاف في ظروف مختلفة؛ بعضهن فقدن داخل منازلهن أثناء أحداث العنف التي ضربت الساحل السوري في شهر مارس آذار الماضي، وأخريات أثناء خروجهن لأعمالهن أو تنقلهن اليومي، دون أي تبنٍّ رسمي أو غير رسمي لتلك العمليات، ودون أن تُعرف الجهة المسؤولة عن اختفائهن حتى اللحظة.
شهادات من إدلب
الناشطة النسوية السورية، ابنة مدينة إدلب، هبة عز الدين، وهي مديرة منظمة "عدل وتمكين" في شمال سوريا، أشعلت الجدل قبل حوالي شهر، بعد أن تحدثت عن مختطفات علويات نُقلن إلى إدلب، حيث كتبت منشورا عبر حسابها في "فيسبوك" تحدثت فيه عن مشاهدتها لـ"سيدة غريبة عن إدلب لا تعرف كيف ترتدي حجابها، ترافق أحد المقاتلين"، وقالت إن هذه السيدة علوية وقد تم إحضارها من إحدى قرى الساحل السوري بعد الأحداث الأخيرة هناك. وذكرت أنها تعرف المقاتل الذي "تزوجها".
عز الدين ذكرت أن ظاهرة "سبي العلويات" موجودة بالفعل. وتضيف بأن "لا أحد يعرف ما حصل مع هذه السيدة أو غيرها، و لا كيف جاءت، ومن الطبيعي أن الصبية لا تجرؤ على الكلام".
وبما أن الحادثة أثارت فضول الناشطة؛ "لأنها المرة الأولى التي أرى فيها سيدة من الساحل متزوجة في قرى إدلب"، تقول الناشطة: "بدأت بالسؤال والبحث، وتحدثت إلى ثوار وفصائل وحقوقيين عن موضوع خطف نساء من الساحل، وتوضح "للأسف؛ الكثير منهم أكدوا لي أن الخطف حصل بالفعل، ومن قبل فصائل متعددة، وتركزت أصابع الاتهام على مقاتلين أجانب ومن فصائل "الجيش الوطني"، مع اختلاف الدوافع" وفقًا لشهادة عز الدين.
وطالبت مديرة منظمة "عدل وتمكين"، الحكومة السورية بالكشف عن مصير هؤلاء النساء وإطلاق سراحهن فورا، واعتبرت أن هذا الملف "خطير ولا يجب السكوت عنه".