يرى خبراء أن الضغوط المتزايدة على الجماعة الإسلامية في لبنان لقطع علاقاتها بحركة حماس تعكس تحولات سياسية وأمنية جوهرية، إذ وجدت الجماعة نفسها، عقب العمليات العسكرية الأخيرة التي نفذتها حماس من الأراضي اللبنانية وما أعقبها من ملاحقات أمنية، أمام مواصلة تحالف قد يهدد وجودها السياسي، أو السعي نحو إعادة تموضع ينسجم مع المشهد اللبناني المتغير.
ويؤكد الخبراء أن الجماعة، رغم امتلاكها لحضور سياسي فاعل، باتت تدرك أن ارتباطها بحركة تخوض معركة مفتوحة قد يجرّ لبنان مجدداً إلى مسار العنف، خاصة في ظل التحذيرات الرسمية المتكررة من استخدام أراضي البلاد كساحة للصراعات الإقليمية.
وتشير التحليلات إلى أن التحولات الإقليمية العميقة، أرست قواعد جديدة تختلف جذرياً عن منظومة التحالفات السابقة، وهو ما يدفع الجماعة إلى إعادة حساباتها في ضوء توازنات داخلية وخارجية آخذة بالتبدّل.
في هذا السياق، قال المحلل السياسي جورج علم، إنه لا دلائل ميدانية تشير إلى وجود أزمة بين الجماعة الإسلامية وحركة حماس، لكن من خلال الواقع والتعاطي الميداني، هناك أسباب لذلك، أولها أن الحركة الفلسطينية، بعد الأحداث الأخيرة التي نفذتها في لبنان بإطلاق صواريخ من خلف الليطاني باتجاه إسرائيل، تعرضت لملاحقات من الحكومة اللبنانية، حيث تم توقيف الجهات الفاعلة.
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن هناك تحذيراً واضحاً لحماس بعدم تحويل لبنان إلى مسرح للفوضى تحت شعار "محاربة إسرائيل"، وهذا الأمر يثير قلق الجماعة الإسلامية التي لها حضور سياسي معتبر، ومتعاونة مع الحكومة اللبنانية، ومتفاعلة مع خطاب القسم الذي أطلقه رئيس الجمهورية.
وتابع أن الأمر المهم الآخر هو أن المرجعية الإقليمية للجماعة الإسلامية باتت مختلفة تماماً عن مرجعية حماس، ولذلك لا ترى الجماعة نفسها ملزمة بالتحالف مع مظلة إقليمية تختلف كلياً مع المناخ السياسي الراهن في لبنان والمنطقة.
وأوضح أن الجماعة الإسلامية تمتلك موقفاً داعما لجهود الحكومة ورئيس الجمهورية في حصر السلاح، وهو ما يختلف كلياً عن موقف حماس التي تسعى للتحرك باستقلالية داخل لبنان.
وأشار إلى أن السبب الأهم في هذا التباعد هو زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس والبيان المشترك الصادر عن رئاسة الجمهورية حول ضرورة حصر السلاح، إذ تسعى الجماعة الإسلامية للاستمرار ضمن النمط السياسي اللبناني، معتمدة على حضور سياسي مختلف عن حماس في البلاد.
وبيّن أن هناك أسباباً عدة تدفع إلى هذا الانفصال، رغم عدم وجود حركة سياسية واضحة، خاصة أن رؤى الجماعة الإسلامية تختلف جذرياً عن نظرة حماس للواقع اللبناني، حيث تتجه الأولى نحو التعاون مع الحكومة اللبنانية، خاصة بعد الانتخابات البلدية، وقبل الانتخابات النيابية المرتقبة، وتسعى الجماعة لتعزيز تمثيلها عبر دخول عدد من نوابها إلى مجلس النواب.
من جانبه، قال المحلل والباحث السياسي علي شندب إن الانتخابات البلدية لو أجريت بعد أشهر، وليس بعد سنوات على عملية "طوفان الأقصى" لكانت الجماعة الإسلامية قادرة على اجتياح العديد من البلديات في المناطق السنية.
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن الهجمة الإسرائيلية المرتدة على "طوفان الأقصى" خلفت ارتدادات سلبية على جبهة الإسناد اللبنانية، وتأثرت بها الجماعة الإسلامية التي تنصرف، حالياً، لإحصاء خسائرها الفادحة في الانتخابات البلدية.
وأوضح أن الجماعة باتت تشبه "الطاعون" الذي تتجنبه القوى السياسية، بعدما كانت في السابق محل تقرب ونفوذ، لكنها، اليوم، تكتفي بالتستر خلف بعض العائلات والجمعيات بعيداً عن اسمها الصريح.
وأشار إلى أن "الانتخابات البلدية كانت مؤشراً واضحاً على تبخر التأييد الشعبي للجماعة، حيث يبدو أن جمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش) استطاعت ملء الفراغ الذي خلفته منافستها التاريخية".
وتساءل: "هل تنفصل الجماعة عن حماس؟ معتبراً أن الجماعة تتمتع بالبراغماتية التي تمكنها من التراجع خطوة أو خطوتين لإعادة التموضع، خاصة مع اقتراب مؤتمر استثنائي متوقع ينتج قيادة جديدة، لا سيما أن الأمين العام الحالي محمد طقوش يعكس نفوذ حماس وحزب الله في الجماعة قبل "طوفان الأقصى".
وخلص إلى أنه مع الانهيار الدراماتيكي لمحور الممانعة بشكل عام، من الطبيعي أن تعيد الجماعة تموضعها التربوي والاجتماعي في لحظة بالغة التعقيد، تمتد من باب المندب حتى بوابة فاطمة.