logo
العالم العربي

اللاجئون السوريون في ألمانيا.. ضحايا سياسة جديدة تهدد مسار الاندماج

اللاجئون السوريون في ألمانيا.. ضحايا سياسة جديدة تهدد مسار الاندماج
سوريون في ألمانياالمصدر: غيتي
09 يونيو 2025، 2:01 م

يرى خبيران أن قرار ألمانيا الأخير بتعليق لمّ شمل العائلات للاجئين الحاصلين على "الحماية الفرعية" وإلغاء مسار التجنيس السريع قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

وتشير تحليلات إلى أن هذه الإجراءات ستزيد من معاناة أكثر من 320 ألف لاجئ سوري، حيث تؤكد الدراسات أن التفرقة الأسرية تعيق عملية الاندماج وتزيد من المشكلات النفسية والاجتماعية.

من ناحية أخرى، يلاحظ مراقبون أن إلغاء نظام التجنيس السريع قد يحرم ألمانيا من أداة فعالة كانت تشجع اللاجئين على الاندماج والإسهام في المجتمع.

كما تثار تساؤلات حول مدى توافق هذه القوانين مع الضمانات الدستورية لحماية الأسرة، خاصة في ضوء الأحكام القضائية السابقة التي أيدت حقوق اللاجئين.

يأتي هذا التغيير في السياسة في وقت تواجه فيه ألمانيا تحديات ديموغرافية واقتصادية؛ ما يدفع بعض المحللين للتحذير من أن هذه الإجراءات قد تدفع ببعض اليائسين نحو التطرف.

أخبار ذات علاقة

امرأة سورية بمركز تسجيل لاجئين في ألمانيا

ألمانيا تُقر إجراء جديدا لطالبي اللجوء السوريين

  سياسة اللجوء والاندماج

حول هذا الموضوع، قال النائب في برلمان ولاية برلين، جيان عمر، إن هذا القانون يُعد تحولًا جذريًا في سياسة اللجوء والاندماج في ألمانيا، ويترك تأثيرًا بالغًا على عشرات الآلاف من السوريين الحاصلين على الحماية الفرعية.

وأضاف عمر لـ"إرم نيوز" أن بالإجمال هناك 383 ألف طالب لجوء حاصلين على حق الحماية الثانوية من جميع الجنسيات، وجزء كبير منهم من السوريين (بحدود 320 ألفًا)، لذلك فإنّ تعليق لمّ الشمل لمدة عامين يعني عملياً تجميد حياة أسر كاملة، وغالبًا ما يدفع باللاجئين إلى حالة من عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي والمهني.

وأوضح أن الدراسات أثبتت أن وجود العائلة هو عامل أساسي في نجاح عملية اندماج اللاجئين – سواء من حيث تعلم اللغة، أو دخول سوق العمل، أو الانخراط في الحياة الاجتماعية. لذلك، فإن هذا القرار لا يُعتبر فقط غير إنساني، بل أيضًا معاديًا للاندماج، ويقوّض الجهود التي بذلتها الدولة والمجتمع المدني الألماني طوال السنوات الماضية.

الحوافز الإيجابية

أما فيما يتعلق بإلغاء مسار التجنيس السريع، بيّن أنه تراجع واضح عن مبدأ الحوافز الإيجابية وتقوية صورة ألمانيا في الخارج أيضًا لاستقطاب اليد العاملة الأجنبية، حيث كان يهدف هذا المسار إلى تشجيع من يحقق خطوات اندماج ملموسة – كإتقان اللغة والعمل والالتزام بالقيم الديمقراطية – على الاستقرار والمشاركة الفعالة في المجتمع. التراجع عن هذا المسار يرسل رسالة معاكسة مفادها: "مهما فعلت، لن تُكافأ".

وأضاف أنه بعد إقرار هذه القوانين وإمرارها في الغرفتين البرلمانيتين، ستكون هناك إمكانية الطعن بها أمام المحاكم، وحينها سنرى مدى دستورية هذه القوانين وتوافقها مع حقوق الأفراد والعائلة المضمونة في الدستور.

وتابع: "هذا يُظهر أن الحكومة الألمانية الحالية بقيادة فريدريش ميرتس تسير في مسار سياسي يمكن أن يكون متناقضاً مع المبادئ الدستورية والقوانين الأوروبية، خصوصًا وأن محكمة برلين الإدارية أقرت قبل أيام بعدم قانونية رفض طلبات اللجوء على الحدود بين ألمانيا ودول أوروبية أخرى نتيجة إغلاق الحدود".

وختم بقوله: إن هذه السياسات لا تضر بالسوريين وحدهم، بل تمس جوهر دولة القانون والمجتمع المنفتح في ألمانيا، وتتناقض مع القيم التي بُنيت عليها ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.

أخبار ذات علاقة

قوات من الشرطة الفرنسية

ألمانيا تكشف عدد السوريين الملزمين بمغادرة البلاد

 التجنيس السريع

من جانبه، قال الأمين العام المساعد للاندماج والهجرة في الحزب الاشتراكي الألماني، حسين خضر، إن التغييرات التي أقرتها الحكومة الألمانية فيما يتعلق بتقييد لمّ شمل العائلات للاجئين الحاصلين على "الحماية الثانوية" وإلغاء المسار الخاص بالتجنيس السريع، قد تكون لها تأثيرات معقدة على اللاجئين السوريين.

وأضاف خضر لـ "إرم نيوز" أن من بين هذه التأثيرات التكامل الاقتصادي والاجتماعي، فالاشتراكية الديمقراطية غالباً ما تركز على أهمية التكامل الاقتصادي والاجتماعي للمهاجرين كجزء من المجتمع، وتقييد لمّ شمل العائلات قد يعرض اللاجئين لمزيد من الضغوط النفسية والاجتماعية، مما يؤثر سلباً على قدرتهم على الاندماج والمساهمة في الاقتصاد المحلي.

وفيما يتعلق بالتضامن الاجتماعي، قال إنه يمكن النظر إلى تقييد لمّ الشمل باعتباره تقويضًا لمبدأ التضامن الاجتماعي. وفي المجتمعات الاشتراكية الديمقراطية، يُعتبر التضامن جزءاً لا يتجزأ من البناء الاجتماعي، ويفترض أن يتم دعم الفئات الأكثر ضعفاً لتحقيق الاندماج الكامل.

تقييد لمّ شمل العائلات

أما من وجهة نظر حقوق الإنسان، فأشار إلى أن تقييد لمّ شمل العائلات يُعتبر انتهاكًا لحقوق الإنسان الأساسية، حيث يُحرم الأفراد من العيش مع عائلاتهم؛ ما يشكّل ضغطًا نفسيًا كبيرًا عليهم، وكذلك التأثير النفسي والاجتماعي، إذ إن العائلات تلعب دورًا محوريًا في الاستقرار النفسي والاجتماعي للأفراد.

وحول التأثيرات المحتملة، بيّن أن اندماج اللاجئين السوريين في المجتمع الألماني قد يصبح أكثر صعوبة بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية الناتجة عن البُعد عن العائلة، وكذلك السياسات العامة، إذ قد تؤدي هذه السياسات إلى انتقادات لاذعة من قبل المنظمات الحقوقية وجماعات الضغط، مما قد يؤثر على العلاقات بين الحكومة والمجتمع المدني.

وأضاف أن التفاوت الاجتماعي سيزداد بين اللاجئين والمجتمع المضيف، مما قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية. وبالتالي، يمكن القول إن هذه السياسات قد تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تعرقل عملية الاندماج بدلاً من تسهيلها.

أما بخصوص تقييد لمّ شمل العائلات وإلغاء التجنيس السريع، فقد لفت خضر إلى أنه قد يؤدي إلى تطرّف بعض اللاجئين في ظروف معينة.

وتابع: "يمكن تحليل هذه الفرضية عبر عدة عوامل؛ أولها الإحباط والاستياء، فالعزلة الاجتماعية والضغوط النفسية الناتجة عن فصل العائلات قد تؤدي إلى شعور عميق بالإحباط والاستياء لدى اللاجئين. هذا الاستياء يمكن أن يكون أرضًا خصبة لتبنّي أفكار متطرّفة كوسيلة للتعبير عن الغضب والاحتجاج".

أخبار ذات علاقة

مجموعة من اللاجئين في ألمانيا

ألمانيا تسعى للتفاوض مع سوريا بشأن عودة اللاجئين

  الشعور بالظلم

الأمر الآخر، يتعلق وفق خضر بالشعور بالظلم، فعندما يشعر الأفراد بأنهم يتعرضون للظلم أو أن حقوقهم تُنتهك، قد يبحث البعض عن طرق للرد على هذا الظلم بطرق غير تقليدية أو حتى عنيفة، وقد يظهر التطرّف كوسيلة للبحث عن العدالة من وجهة نظرهم.

وذكر أن الانفصال الثقافي والاجتماعي، أي عدم القدرة على الاندماج بشكل فعّال في المجتمع الجديد بسبب العزلة النفسية والاجتماعية، قد يدفع بعض الأفراد إلى البحث عن هوية بديلة تعزّز من مكانتهم وتوفّر لهم شعورًا بالانتماء، حتى لو كانت تلك الهوية متطرّفة.

وأضاف أن الجماعات المتطرّفة قد تستغل الوضع النفسي الهش لبعض اللاجئين لتجنيدهم في صفوفها، مستغلةً مشاعر الإحباط والغضب لديهم.

وخلص إلى أنه يجب التأكيد على أن هذه العوامل لا تؤدي بالضرورة إلى التطرّف لدى جميع الأفراد، إذ يعتمد ذلك على العديد من المتغيرات الشخصية والاجتماعية والاقتصادية، لكن من المهم أن تعمل الحكومات والمجتمعات على توفير الدعم النفسي والاجتماعي للاجئين، وتعزيز سياسات الاندماج التي تتيح لهم العيش بكرامة واحترام؛ ما يقلّل من احتمالات التطرّف.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC