يرى خبراء أن ملف جرائم الحرب في غزة دخل مرحلة حرجة مع تراكم الأدلة من الميدان والشهادات الحية التي توثّق الانتهاكات الإسرائيلية؛ ما يفتح الباب أمام مواجهة قانونية طويلة الأمد قد تمتد عقودا.
ويؤكد الخبراء أن الجهود الفلسطينية في جمع الأدلة بمساندة منظمات حقوقية ودول متضامنة باتت تمثل ركيزة أساسية في المسار القضائي الدولي، رغم العقبات التي تفرضها إسرائيل.
ويشير الخبراء إلى أن هذه المرحلة تتطلب تنسيقا كبيرا بين القانونيين الفلسطينيين وشركائهم الدوليين بما يحقق العدالة ويردع إسرائيل.
يقول أستاذ العلوم السياسية، الدكتور أيمن يوسف، إن قضية الأدلة والبراهين يجب تجميعها من أجل إدانة جنود الجيش الإسرائيلي وضباطه، بمن في ذلك النخب السياسية، وهي في غاية الأهمية خاصة أن هناك جرائم حرب ارتكبت في قطاع غزة، وهناك أدلة دعمتها شهادات حية من الميدان، وكذلك تقارير الصحافيين ووكالات الأنباء إلى جانب صور الأقمار الصناعية.
وأضاف يوسف، لـ"إرم نيوز"، أن هناك أيضاً جهدا فلسطينيا من المنظمات الحقوقية داخل القطاع، مع المتضامنين الأجانب الذين وصلوا إلى غزة وهم مختصون بالشأن القانوني وتجميع الأدلة والوثائق لرفعها ربما إلى محكمة الجنايات الدولية.
وأشار يوسف إلى أن الجانب الفلسطيني بحاجة إلى قراءة ميثاق الأمم المتحدة، وميثاق تأسيس محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات لتواجد بعض الثغرات القانونية التي يجب تلافيها، موضحاً أن إسرائيل غير موقعة على ميثاق محكمة الجنايات الدولية ولا محكمة العدل الدولية.
وأوضح أن هذا الوضع بحاجة إلى استشارات من فريق محامين دوليين مختصين بالقانون الجنائي الدولي وقانون حقوق الإنسان، من أجل رفع هذه القضايا، منوّهاً بعدم التغافل عن القضاء المحلي في ظل وجود دول أبدت استعدادها لمحاكمة المتورطين في هذه الانتهاكات حتى وإن كانوا في رحلة طيران فوق أراضيها.
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أنه في هذه المرحلة من الضروري التنسيق مع الدول مثل إسبانيا وأيرلندا والبرتغال وحتى مثل كولومبيا والبرازيل وسلوفينيا وغيرها الكثير من الدول التي أظهرت الرغبة في الذهاب بهذا الاتجاه.
وأكد أن هذا الأمر مهم جداً لكنه بحاجة إلى جهد فلسطيني في الميدان وجهد مشترك من منظمات المجتمع المدني الفلسطينية التي تعمل في الجانب الحقوقي، إلى جانب المساعدة من حركات التضامن الدولية التي تناصر الفلسطينيين في أكثر من مجال.
واختتم يوسف حديثه بالتأكيد على أن هذا البعد القانوني القضائي الدولي يجب أن يتحوّل إلى جزء من الاستراتيجية الفلسطينية، ويجب استغلاله على نطاق واسع، ليس فقط لنزع الشرعية عن إسرائيل بل لإحداث تحوّلات في الرأي العام الدولي، وإقناع الدول بفرض عقوبات والانتقال إلى مرحلة محاكمات الجنود والضباط والنخبة اليمينية الحاكمة في إسرائيل.
بينما يرى المحلل السياسي، الدكتور خليل أبو كرش، أنه قبل الذهاب إلى أي دعاوى أو محاكمات يجب تثبيت هذه الجرائم؛ أي وصول آليات العدالة الدولية إلى قطاع غزة، مشيراً إلى أن إسرائيل تغلق الأبواب أمام الإعلام والصحافة والهيئات الدولية وتمنعها من الدخول إلى غزة.
وأضاف المحلل الفلسطيني، لـ"إرم نيوز"، أن هذا الإغلاق يعني أن إسرائيل وحدها من تتحكم بالصورة والسردية التي تخرج من قطاع غزة، مشيراً إلى أن كل ما يُكشف عنه لغاية الآن تستطيع إسرائيل التشكيك به على اعتبار أنه يأتي من جهات غير ذات صلة، وأن هناك محاولات من حركة حماس لتضخيم الأرقام وحجم الجريمة.
وأوضح أبو كرش أن ما حدث جريمة واضحة المعالم تحتاج إلى إثباتات كثيرة من الناحية القانونية، ومن ثم الانتقال إلى الإجراءات وتفعيل أدوات القانون الدولي على مستوى إدانة الأفراد وعلى مستوى إدانة الدولة من حيث سلوكها، منوهاً بأن ذلك يحتاج إلى تضافر جهود الهيئات والمنظمات الدولية، وضغط ودعم من قبل الأمم المتحدة تحديداً ومؤسساتها ذات الصلة.
ولفت إلى أن جرائم كثيرة ارتكبتها إسرائيل سابقاً ونجحت بالإفلات من العقوبات، واليوم ليس المطلوب فقط معاقبة الأشخاص، إنما المطلوب وقف عنف الدولة وإرهابها، وهذا يحتاج إلى منظومة قانونية دولية وفرق وخبراء قانونيين فلسطينيين وتعاون إقليمي ودولي قانوني.
واختتم المحلل حديثه بالإشارة إلى أن هذا النوع من المحاكمات حقل شائك يحتاج إلى ذوي اختصاص، إلى جانب حاجته إلى مواءمة وموازنة ما بين العمل القانوني والعمل السياسي.