أعلنت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في خطوة متزامنة رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، بعد سنوات من العزلة الدولية لهذا البلد.
وبينما عزت بروكسل هذه الخطوة إلى "دعم الشعب السوري لبناء سوريا جديدة وسلمية"، رأى مراقبون أن هذه المبادرة تحمل في طياتها دلالات سياسية وإقليمية عميقة، وتثير تساؤلات حول التوازنات الدولية الجديدة في الشرق الأوسط.
وقال الباحث في مركز الدراسات السياسية الأوروبية (CEPE) في باريس، جان-إيف كليمان، إن "القرار الأوروبي يعكس إقرارًا ضمنيًا بانتهاء مرحلة عزل نظام بشار الأسد بعد أكثر من عقد من المواجهة".
وأضاف كليمان لـ"إرم نيوز": "هذا القرار لا يعكس فقط الرغبة في إعادة إعمار سوريا، بل أيضًا هو استجابة لضغوط دولية متزايدة لإعادة التوازن في الشرق الأوسط بعد انسحاب تدريجي للنفوذ الغربي".
من جهتها، قالت الباحثة المتخصصة في السياسات الأمريكية-الأوروبية في معهد العلاقات الدولية الفرنسي (IFRI)، كلير دوبوا، إن "رفع العقوبات الأوروبية جاء كرد فعل على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته إلى الرياض، ما يشير إلى تأثير مباشر للقرار الأمريكي على شركائه الأوروبيين".
وأضافت دوبوا لـ"إرم نيوز": "بروكسل لم تكن لتتخذ هذه الخطوة لولا الضوء الأخضر من واشنطن، الأمر الذي يعكس تصاعد الدور الأمريكي في إعادة تشكيل الخريطة الدبلوماسية في الشرق الأوسط خلال الولاية الثانية لترامب".
وبحسب دبلوماسيين فرنسيين، فإن فك الحظر عن القطاع المصرفي والطاقة يمكن أن يسمح بتدفق التمويل الدولي والمساعدات التقنية، ما يفتح آفاقًا لعملية إعادة الإعمار في سوريا.
وترى دوبوا أن الخطوة يمكن أن تكون فرصة اقتصادية للدول الأوروبية، إذ يشير تقرير داخلي للبرلمان الفرنسي إلى أن شركات أوروبية، خصوصًا في قطاع البنية التحتية والطاقة، "تراقب الفرص المحتملة في السوق السورية في حال استقرار الوضع".
كما تؤدي الخطوة إلى تهدئة الملفات الإنسانية، إذ ترى منظمات إنسانية، مثل "أطباء بلا حدود"، أن تخفيف العقوبات يسهم في تسهيل دخول الإمدادات والمعدات الطبية إلى الداخل السوري.
بدورها، تحذر الخبيرة في القانون الدولي الإنساني، شارلين بينيزيا، ، من أن "رفع العقوبات عن نظام لم يُحاسب بعض عناصر النظام السابق على جرائم حرب موثقة يطرح إشكاليات قانونية، ويقوض مسار العدالة الدولية، رغم تعيين لجنة العدالة الانتقالية في سوريا".
ورغم رفع العقوبات الاقتصادية، أبقت بروكسل على حظر بيع الأسلحة خشية استخدامها ضد الأقليات.
وفي هذا السياق، قال الخبير الفرنسي في قضايا الأقليات، تييري جريجوار لـ"إرم نيوز":"الاتحاد الأوروبي يخشى من سيناريو العنف ضد المسيحيين والدروز والعلويين المعارضين".
وأشار جريجوا إلى أن قرار رفع العقوبات عن سوريا يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاطي الدولي مع دمشق، لكنه في الوقت ذاته يضع المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي.
وتساءل: هل يمكن بناء سلام مستدام دون عدالة ومحاسبة؟ وما حدود الواقعية السياسية في التعامل مع أنظمة حكم وُصمت لعقد كامل بالقمع؟.