logo
العالم العربي
خاص

خريطة النفوذ بعد الانتخابات.. أين يقف العراق بين واشنطن وطهران؟

شخص يحمل العلم العراقي في العاصمة بغدادالمصدر: (أ ف ب)

بعد إجراء الانتخابات البرلمانية، دخل العراق في معادلة إقليمية متشابكة بين رسائل إيرانية، مع لهجة أمريكية تركز على ملف السيادة والميليشيات المسلحة، في وقت لم تُفرز فيه النتائج كتلة قادرة على تشكيل الحكومة منفردة؛ ما وضع العملية السياسية أمام مرحلة تتسم بتعدد مراكز التأثير الخارجي وتوازنات داخلية أكثر تعقيدًا.

وجاء الموقف الإيراني أكثر وضوحًا وسرعة، مع مباركة النتائج فور إعلانها، وهو ما اعتبره مراقبون إشارة إلى ارتياح طهران لعودة قوى مرتبطة بالفصائل المسلحة إلى البرلمان بعد حصولها على نحو 80 مقعدًا؛ الأمر الذي يعزز موقعها داخل بنيات القرار العراقي.

أخبار ذات علاقة

مقاتلون من حزب العمال الكردستاني

"العمال الكردستاني" يعلن انسحابه من منطقة "ساخنة" في شمال العراق

وفي المقابل، التزمت الولايات المتحدة خطابًا محسوبًا، اكتفت فيه بتهنئة قصيرة عبر مبعوثها إلى العراق مارك سافايا، أشاد فيها بإجراء الانتخابات في موعدها، وربط مستقبل التعاون مع الحكومة المقبلة بملفات الاستقرار، والإصلاح، وإنهاء التدخلات الأجنبية والمليشيات المسلحة.

وهذا التباين بين الظهور الإيراني والهدوء الأمريكي أعاد التذكير بتراجع التنسيق الضمني الذي حكم تشكيل الحكومات العراقية لسنوات، مع دخول البلد مرحلة جديدة تتعدد فيها مداخل التأثير على القرار السياسي.

كما أظهرت تغطيات إعلامية إيرانية حديثة تأكيدًا على أن الانتخابات تشكّل اختبارًا مباشرًا لمستقبل الحشد الشعبي والفصائل، مقابل تقارير أمريكية تشير إلى نهاية مرحلة “الانخراط المباشر” في رسم شكل الحكومات العراقية.

أدوات نفوذ مختلفة

وقال الباحث والأكاديمي حسين الطائي إن "الطرفين يمتلكان أدوات نفوذ مختلفة، لكن وزن كل طرف يتغير تبعًا للبيئة السياسية والاصطفافات الداخلية العراقية”.

وأضاف الطائي لـ"إرم نيوز" أن "إيران تعتمد على شبكة نفوذ تاريخية داخل العملية السياسية، فيما تمتلك واشنطن أدوات ضغط اقتصادية وأمنية يمكنها من خلالها تمرير أو عرقلة سيناريوهات تشكيل الحكومة”، مؤكّدًا أن “القوة اليوم ليست لمن يفرض رئيس الوزراء، بل لمن يضمن استمرار حكومته من دون أزمات”.

وتشير تحليلات إلى أن واشنطن تراقب خارطة التحالفات المقبلة أكثر مما تتعامل مع النتائج بوصفها حاسمة، إذ تركز التقديرات الأمريكية على احتمال أن تكون الحكومة المقبلة ساحة لتعديل حضور الميليشيات داخل المؤسسات الرسمية، خصوصًا بعد توسع تمثيلها النيابي.

كما يعتمد النفوذ الأمريكي على أدوات ضغط مالية وأمنية تتراوح بين إدارة الحسابات في البنك الفيدرالي الأمريكي وملف القوات الاستشارية والتعاون مع قوى كردية وسنية تمتلك وزنًا داخل البرلمان.

أما إيران، التي كانت تمتلك في دورات سابقة قدرة أكبر على حسم هوية رئيس الوزراء، فيبدو أنها تتجه نحو سياسة "التنسيق المرحلي" بدلًا من الإملاء المباشر، مع الاحتفاظ بنفوذ اقتصادي حيوي في ملفات الغاز والكهرباء والتجارة الحدودية؛ ما يجعل علاقتها ببغداد أكثر ارتباطًا بالاقتصاد من السياسة المباشرة.

ورغم تراجع خطاب الثقة الذي كان يميز مواقفها في السنوات الماضية، ما تزال طهران قادرة على حماية جزء واسع من مصالحها عبر شبكة نفوذ طويلة الأمد داخل قوى الإطار التنسيقي.

إعادة ضبط المشهد

من جهته، أوضح المحلل السياسي عبدالله الركابي أن "ما يجري اليوم ليس صراع نفوذ مباشر بين إيران والولايات المتحدة، بقدر ما هو إعادة ضبط لعلاقاتهما داخل المشهد العراقي بعد انتخابات لم تُنتج فائزًا حاسمًا".

وأضاف الركابي لـ"إرم نيوز" أن "طهران تحاول الحفاظ على تماسك البيت الشيعي لضمان عدم خروج مخرجات التفاوض من إطار نفوذها، فيما تركز واشنطن على ضمان استقرار اقتصادي وأمني يحد من دور الفصائل المسلحة دون مواجهة مفتوحة".

ولفت إلى أن "المسار الحاسم سيبقى بيد القوى العراقية نفسها؛ لأن أي توازن خارجي لن يستقر ما لم تُنتج العملية السياسية تفاهمات داخلية قادرة على إدارة الدورة الحكومية المقبلة".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC