يعتقد خبراء أن التحول في الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة، من خلال تقليص وجودها في سوريا، قد ينعكس سلبا على أمن العراق، الذي يقف على تخوم صراعات لا تنطفئ.
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" أعلنت عن خطة لتقليص عدد قواتها المنتشرة في سوريا من نحو 2000 جندي إلى أقل من 1000 خلال الأشهر المقبلة، موضحة أن العملية ستكون "مدروسة ومشروطة بالظروف"، وتشمل إعادة تموضع القوات في مواقع مختارة، دون أن تُلغي القدرة على تنفيذ ضربات جوية ضد أهداف تنظيم "داعش".
ويُعدّ هذا الانسحاب، بالنسبة للعديد من المتابعين في العراق، مؤشرا مقلقا على تراجع الالتزام الدولي بضبط الحدود المشتركة مع سوريا، في وقت لا تزال فيه مناطق مثل الأنبار وديالى تشهد نشاطا لخلايا "داعش" التي تستغل التضاريس الصعبة والفراغات الأمنية.
رؤية استراتيجية
وقال الخبير في الشأن العسكري والاستراتيجي، اللواء الركن المتقاعد عماد علو، إن "تقليص عدد القوات الأمريكية أو إعادة تموضعها في سوريا يأتي ضمن رؤية استراتيجية جديدة تركز على حماية عناصر الجيش الأمريكي عبر قواعد محددة مثل قاعدة التنف، وقاعدتين في الحسكة، إلى جانب مواقع في إقليم كردستان وقاعدة عين الأسد في العراق".
وأضاف علو لـ"إرم نيوز"، أن "الولايات المتحدة تعزز وجودها النوعي في هذه القواعد عبر تسليح مركز، يضمن لها القدرة على الرد السريع ضد تهديدات محتملة من داعش أو الفصائل المسلحة في المنطقة".
وأوضح علو أن "قدرات داعش بدأت تنحسر تدريجيا في هذه المناطق، ويبدو أن التنظيم بدأ بتحويل جهوده إلى مناطق أخرى مثل الساحل والصحراء الكبرى في أفريقيا، وهو ما قد يضع نهاية وشيكة لوجوده في سوريا والعراق".
وتراهن أوساط أمنية على أن التحولات الجارية في سوريا، خاصة بعد تشكيل الحكومة الجديدة، قد تفتح نافذة لتعاون مشترك أكثر فعالية مع بغداد، في ملف محاربة "داعش"، خصوصا مع استمرار الدعم الجوي الأمريكي وقدرات الرصد المتطورة التي توفرها قواعد التحالف الدولي في العراق وسوريا.
كبح التنظيمات المتطرفة
ولطالما مثّل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، خصوصا في شرق الفرات وقاعدة التنف، عنصرا محوريا في ضبط التوازنات الأمنية، ومنع تمدد التنظيمات المتطرفة.
ومع أن تقليص عدد القوات لا يعني انسحابا كاملا، إلا أن أي تخفيف لهذا الحضور يفتح المجال أمام تصاعد التحديات الأمنية، خصوصا في مناطق مثل البادية السورية، التي يصعب على القوات المحلية السيطرة عليها دون دعم دولي.
وللولايات المتحدة أكثر من 20 قاعدة عسكرية في سوريا في مناطق خاضعة للأكراد.
وتظهر الخريطة انتشار القواعد العسكرية الأمريكية في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور وريف دمشق، في حين تتوزّع نقاط الوجود بين محافظتي دير الزور والحسكة.
ويمثّل هذا التمركز الأمريكي عامل دعم غير مباشر للعراق أيضا؛ إذ تتيح المراقبة الجوية والقدرات الاستخبارية الأمريكية في سوريا، تعقب تحركات تنظيم "داعش" عبر الحدود، خاصة في الممرات الوعرة بين البوكمال والقائم.
ويعتمد العراق، إلى حد بعيد، على هذا الغطاء الدولي في سد الفراغات الأمنية التي يصعب على القوات المحلية تغطيتها بالكامل؛ ما يجعل أي تقليص في الحضور الأمريكي محفوفا بمخاطر أمنية تتجاوز الأراضي السورية.
من جهته، حذّر الخبير في الشأن الأمني، كمال الطائي، من أن "الانسحاب الأمريكي من سوريا قد يفتح ثغرات خطيرة في الجدار الأمني المشترك مع العراق، ويمنح تنظيم "داعش" فرصة لإعادة تنشيط خطوطه اللوجستية وتحريك خلاياه بين البادية السورية والحدود العراقية".
وقال الطائي لـ"إرم نيوز" إن "الفراغ الذي سيخلفه تقليص الوجود الأمريكي، خاصة في مناطق مثل دير الزور والتنف، لن يكون من السهل تعويضه، لا من قبل القوات المحلية ولا من قبل التحالف، ما لم تكن هناك ترتيبات ميدانية مسبقة".
وأضاف أن "العراق سيكون أول المتأثرين بهذه التطورات؛ لأن أي انهيار أمني في شرق سوريا يعني عودة الضغط باتجاه ديالى وصلاح الدين والأنبار، وهي مناطق لا تزال عرضة لاختراقات داعش رغم الحملات المستمرة".
وتُعد الحدود العراقية السورية من أطول وأعقد الحدود التي تواجهها القوات الأمنية العراقية؛ إذ تمتد لمسافة تقارب 600 كيلومتر، تبدأ من ربيعة في نينوى شمالا وصولا إلى القائم في الأنبار جنوبا، وتتميّز هذه الحدود بطبيعتها الصحراوية والجبلية؛ ما يجعلها بيئة مثالية لتحركات خلايا "داعش" وتنقّلات التهريب، ويصعّب ضبطها دون دعم تقني واستخباري مستمر.