نفى عضو لجنة الحوار المهيكل ورئيس حزب "نبض الوطن" الليبي، الحمري الشاوش، أن يكون المسار الأممي مجرد "إعادة تدوير للنخب"، مؤكداً أن الانتخابات ليست حلاً سحرياً وقد تصبح مخاطرة في ظل الانقسام الحالي، كما حذر من خطرين داهمين يهددان مستقبل الحكومة المقبلة.
وأضاف الشاوش في حواره مع "إرم نيوز"، أن مسار الحوار المهيكل يمثل فرصة حقيقية لمعالجة حالة الانسداد السياسي في ليبيا، كونه يقوم على 4 مسارات رئيسية تتناول معظم الملفات والاختلالات التي أسهمت في استمرار الانقسام السياسي، والتدهور الاقتصادي، والهشاشة الأمنية.
وفيما يلي نص الحوار:
لا يمكن توصيف هذا المسار على أنه إعادة تدوير للنخب المتنفذة، إذ إنه لم يرتكز على الأجسام الحاكمة القائمة لوحدها، بل اعتمد على تمثيل واسع قائم على ترشيحات من هياكل مجتمعية ومؤسسية متنوعة، شملت البلديات، والأحزاب السياسية، والنقابات، والجامعات والمعاهد العليا، ومنظمات الشباب والطلبة، إضافة إلى المنظمات المعنية بالمرأة.
وفي ظل فشل الأجسام التشريعية الحالية وصراعاتها وانقساماتها الداخلية وعجزها عن إنتاج حلول واقعية لوحدها، فإن اللجوء إلى تشكيل لجنة حوار من هذه الهياكل لإنتاج توصيات واقعية تساعد في إيجاد الحلول يُعد خيارًا منطقيًا، كما أن آلية الاختيار للجنة الحوار المهيكل تختلف بوضوح عن مسارات سابقة لم تُفضِ إلى نتائج مستدامة.

ويُحسب لهذا المسار اعتماده معايير التنوع الجغرافي والسياسي، وإتاحة مشاركة فاعلة للمرأة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، بما يعزز شموليته ومصداقيته، مع توقع أن يفضي إلى توصيات قابلة للتنفيذ تنقل النقاش من إدارة الأزمة إلى معالجة جذورها.
هل تكمن الأزمة الليبية في غياب القاعدة الدستورية أم بسبب غياب الإرادة السياسية لاحترامها؟
لا تكمن الأزمة الليبية فقط في غياب قاعدة دستورية متفق عليها، بل أساسًا في غياب الإرادة السياسية لاحترام أي قاعدة يتم التوافق عليها. فقد أظهرت التجارب السابقة أن النصوص وحدها لا تشكل ضمانة، حيث جرى الالتفاف على اتفاقات دستورية وقانونية قائمة عندما تعارضت مع مصالح القوى المتنفذة.
وعليه، فإن الحل يتطلب إرادة سياسية جامعة، وضمانات مؤسسية وقضائية، وضغطًا مجتمعيًا ودوليًا يفرض الالتزام بالقواعد، لا الاكتفاء بإنتاجها.
الانتخابات ليست حلًا سحريًا بحد ذاتها، وقد تتحول إلى مخاطرة إذا أُجريت في ظل انقسام إداري وأمني عميق وغياب ضمانات قبول النتائج. وفي المقابل، فإن تعطيل الانتخابات بحجة عدم اكتمال الظروف يكرس الجمود السياسي.
والحل يكمن في تهيئة حد أدنى من البيئة الآمنة والإدارية الموحدة، وضمان حياد المؤسسات، ووضع آليات واضحة لمعالجة الطعون والنزاعات الانتخابية، بما يجعل الانتخابات جزءًا من الحل لا سببًا لأزمة جديدة.

للأسف، البدائل محدودة وجميعها محفوفة بمخاطر تجدد الصراع، إضافة إلى مخاطر التهاوي الاقتصادي في بلد تآكلت احتياطياته ومنظوماته الإدارية نتيجة طول أمد الصراع.
أعتقد أننا كليبيين، إذا لم ننجح في التوافق حول إدارة بلدنا، سنفتح المجال لمزيد من التدخل الدولي، وسيرتهن واقعنا ومستقبلنا لانعكاسات صراعات الدول ذات المصالح في ليبيا، وقد نجد البلاد مهددة بسيناريوهات الفشل الكلي والانقسام. وبالتالي، فإن التوافق بين الليبيين لا بديل إيجابيًا آخر عنه.
التمديد المتكرر للأجسام السياسية تسبب في تقويض الاستقرار نتيجة استمرار الصراعات بين هذه الأجسام، سواء فيما بينها أو حتى داخلها، وهو ما أدى إلى مزيد من الانقسام الحكومي والمؤسسي، الذي بدوره تسبب في تهاوٍ اقتصادي، وتخلخل أمني، وتشتت في منظومة الرقابة والمحاسبة، وتغوّل الفساد.
ما نشهده اليوم هو محاولة مختلفة عن الحلول السابقة، إذ تتجه خارطة الطريق الحالية إلى التركيز على معالجة أسباب الصراع بين الأطراف، بدل الاكتفاء بتقاسم السلطة وترك جذور الصراع لما بعد تشكيل الحكومة، وهو النهج الذي فشل سابقًا في إيجاد حل جذري والوصول بالليبيين إلى توافق ثم انتخابات.
نعتقد أننا أمام فرصة لإنتاج حل بملكية ليبية وتيسير أممي مدعوم بتوافق دولي واسع، كما ظهر في مواقف أغلب ممثلي الدول خلال جلسة مجلس الأمن الأخيرة، وبالتأكيد ينبغي على الجميع الاستفادة من التجارب السابقة وتجنب أخطائها.
بشكل واقعي، وفي ظل عدم وجود توافق بين الأطراف المحلية واستمرار الصراعات، كان من الطبيعي أن يكون للمجتمع الدولي، ممثلًا في واجهته الأممية (البعثة)، أدوار مهمة في ليبيا. ورغم تأثرها بالخلافات بين الدول الكبرى والإقليمية، إلا أنها أدت أدوارًا مهمة في مراحل سياسية أعقبت حروبًا بين الليبيين أنفسهم، وأسهمت في إيقاف القتال.
كما كان لها دور مهم في عدة مختنقات، مثل دعم عمل لجنة (5+5) التي نتج عنها الحفاظ على وقف إطلاق النار، والمساعدة في التوافق حول أزمة إدارة المصرف المركزي، والمساهمة في احتواء الصراع الأخير داخل العاصمة، إضافة إلى جهودها خلال السنوات الأخيرة لكسر الجمود السياسي والبحث عن حلول له.
البعثة هي واجهة للمجتمع الدولي، وهذا المجتمع يجد المجال مفتوحًا للتأثير والتدخل كلما استمرت الصراعات المحلية وانعدم التوافق. وخلال الشهر الماضي شاهدنا احتفالية في العراق بمناسبة انتهاء دور البعثة هناك، الذي جاء نتيجة تحقق الاستقرار. وينبغي العمل في ليبيا أيضًا من أجل الوصول إلى الاستقرار والتوافق بين الليبيين، حتى تنتفي الحاجة إلى أي وسطاء من الخارج.
تعاني إدارة الموارد السيادية في ليبيا من اختلالات حادة نتيجة الانقسام السياسي والمؤسسي، حيث تُدار الموارد دون ميزانية موحدة أو خطط تنموية واضحة، ما أدى إلى فجوة كبيرة بين الدخل والإنفاق.
وبحسب محافظ مصرف ليبيا المركزي، يبلغ متوسط الدخل الشهري نحو 1.5 مليار دولار، في حين يصل الإنفاق الشهري للحكومتين إلى قرابة 3 مليارات دولار، بعجز يقارب 1.5 مليار دولار شهريًا، وهو ما يشكل استنزافًا متسارعًا للاحتياطي، ويضغط على قيمة العملة المحلية ويضعف القدرة الشرائية للمواطن، مع مخاطر مضاعفة في حال تراجع أسعار النفط عالميًا.
كما أدى الانقسام إلى غياب الشفافية، وتعدد مراكز القرار، وتسييس الموارد، ما أضعف الثقة الداخلية والدولية في الإدارة المالية للدولة. ويكمن الإصلاح في توحيد المؤسسات السيادية، وتعزيز الرقابة والمساءلة، وربط الإنفاق بأولويات وطنية واضحة، وفصل إدارة الموارد عن التجاذبات السياسية لضمان الاستدامة الاقتصادية.
وجود السلاح خارج سيطرة الدولة لن يسمح ببناء سلطة مدنية قوية، بل كما هو حاصل اليوم، يجعل السلطات المدنية والمؤسسات خاضعة لتأثير المجموعات المسلحة، ويسهم في تغذية استمرار هذا النفوذ، ويمنح الفساد مساحة أكبر لتآكل مؤسسات الدولة. ولا بد من سلطة موحدة وقوانين ملزمة تحتكر السلاح بيد الدولة، وتنهي كل المسببات التي تعاكس ذلك.
الخطر الأول هو انخراطها في منظومة الصراعات والاصطفافات السياسية، ما يفقدها القدرة على العمل في عموم البلاد. كما أن الفشل في الإدارة الاقتصادية الرشيدة قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي.
ويمكن تجنب هذين الخطرين من خلال تركيز الحكومة القادمة على تقديم الخدمات الأساسية بشكل رشيد، دون توسع في الإنفاق، مع التركيز على التحضير للانتخابات خلال الفترة الانتقالية، والابتعاد عن أي اصطفاف سياسي.
الوصول إلى استقرار وطني محصَّن بتوافق داخلي سيجعل العلاقة بين ليبيا وكل الأطراف الخارجية قائمة على الندية والاحترام المتبادل.