أثار طلب الرئيس التونسي قيس سعيّد من رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، بإنشاء جسور جوية لنقل المهاجرين الأفارقة إلى بلدانهم الأصلية، تساؤلات عديدة حول مدى استعداد روما للاستجابة لهذا المقترح، خصوصًا وأنها تُعد من أبرز المتضررين من موجات الهجرة غير النظامية.
وجاء هذا الطلب على هامش زيارة عمل أدّتها ميلوني إلى تونس، جرى خلالها مناقشة تقدم تنفيذ "خطة ماتي" التي أطلقتها إيطاليا قبل أشهر، بالإضافة إلى ملف الهجرة غير النظامية.
مقاربة أمنية ضيّقة
تراهن تونس منذ فترة على العودة الطوعية للمهاجرين كحل لأزمة الهجرة، وقد نجحت فعلاً في إعادة الآلاف إلى بلدانهم الأصلية، رغم الانتقادات الحادة التي وُجّهت للسلطات على خلفية هذه السياسات.
وفي هذا السياق، اعتبر النائب البرلماني السابق، مجدي الكرباعي، أن "طلب الرئيس قيس سعيّد من رئيسة الوزراء الإيطالية إطلاق جسور جوية لترحيل المهاجرين غير النظاميين من تونس إلى بلدانهم الأصلية، يعكس مرة أخرى مقاربة أمنية ضيقة لمعالجة ظاهرة معقدة كالهجرة".
وأوضح الكرباعي في تصريح لـ "إرم نيوز" أن "من غير المرجّح أن تستجيب ميلوني بشكل كامل لهذا الطلب، ليس فقط لأن إنشاء جسور جوية يتطلب تنسيقًا دقيقًا وتمويلاً كبيرًا، بل أيضًا لأن تنفيذه بشكل علني قد يُحرج الحكومة الإيطالية أمام الرأي العام الأوروبي والمنظمات الحقوقية. كما أن هذه الخطوة قد تُستغل سياسيًا من قِبل اليمين الأوروبي لعرضها كدليل على 'نجاح' سياسات الردع والترحيل".
وأضاف: "الأهم من ذلك، أن مثل هذا الإجراء – حتى لو تم تنفيذه – لن يشكل حلاً جذريًا أو فعالًا لأزمة المهاجرين. فالنقل القسري للأشخاص عبر جسور جوية قد يؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، خاصة في ظل غياب ضمانات قانونية لمحاكمات عادلة أو إمكانية طلب اللجوء. بل قد يؤدي إلى تعميق دوائر العنف والفقر التي تدفع هؤلاء الأفراد إلى الهجرة مجددًا".
واستنتج الكرباعي أن "الحل الحقيقي يكمن في معالجة الأسباب البنيوية للهجرة: الفقر، غياب الديمقراطية، القمع، وتغير المناخ. أما الحلول التي تقوم على 'نقل الأزمة من الضفة الشمالية إلى الضفة الجنوبية' فهي مجرد هروب إلى الأمام، وستنعكس سلبًا على الجميع عاجلاً أو آجلاً".
لا تفاعل إيجابيا متوقّعا
من جانبه، رأى المحلل السياسي هشام الحاجي أن "جورجيا ميلوني لن تتفاعل إيجابيًا مع طلب الرئيس قيس سعيّد بخصوص إطلاق جسور جوية لنقل المهاجرين غير النظاميين. فهي تفضّل الحفاظ على المقاربة الحالية التي تُلقي بعبء مواجهة الأزمة على تونس، وتدعوها إلى منع تدفق المهاجرين نحو السواحل الأوروبية، وخصوصًا الإيطالية".
وأشار الحاجي في تصريح لـ "إرم نيوز" إلى أن "ميلوني كسبت من خلال هذه المقاربة دعمًا شعبيًا واضحًا في الداخل الإيطالي، ولا يُتوقع أن تتخلى عنها بسهولة".
وشدد على أن "التداعيات الحقوقية مهمة من حيث المبدأ، لكنها لا تُشكل ضغطًا فعليًا، نظرًا لضعف الحراك الحقوقي حاليًا سواء في إفريقيا أو في أوروبا. أما سياسيًا، فلا توجد مقاربة شاملة ومتناسقة لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية بين الدول المعنية، حيث تتعامل كل دولة معه وفقًا لظروفها وحساباتها الخاصة، ويُستخدم أحيانًا كورقة ضغط سياسية".
واعتبر الحاجي أن "إنشاء جسور جوية قد يكون آلية مهمة، لكنه يظل غير كافٍ بمفرده. فالحل الحقيقي يكمن في مقاربة تنموية شاملة تُثبّت الأفارقة في بلدانهم، إلى جانب تفكيك شبكات الاتجار بالبشر، وتعزيز التعاون الفعلي في مراقبة الحدود، مع احترام حقوق الإنسان وضمان أن تكون عمليات الترحيل طوعية وآمنة ولا تعرّض حياة المرحّلين وسلامتهم للخطر".