أحيت خطة بعثة الأمم المتحدة "الغامضة" لرفع الجمود عن العملية السياسية في ليبيا الجدل حول المسار الدستوري.
ويشهد المسار الدستوري في ليبيا حالة من الفوضى والجدل، وسط ساحة مثقلة بالخلافات، سواء داخل المجلس الأعلى للدولة، أو في مجلس النواب الذي يصر على تبني "قوانين" عبر لجان شكلت في بوزنيقة المغربية.
كما طفت على السطح مسودة دستور، العام 2017، بدفع من حكومة الوحدة المؤقتة، مقابل المجلس الرئاسي المؤيد لعمل المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني.
وتعتزم القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستيفاني خوري، إنشاء لجنة استشارية محددة زمنيًا لمراجعة القضايا العالقة، وتقديم مقترحات قابلة للتطبيق لخريطة طريق شاملة لإجراء الانتخابات، بعد قناعتها بأن الإطار الحالي "لايزال مثيرًا للجدل بين الليبيين".
ولن تكون اللجنة الاستشارية مجموعة حوار مكلفة باتخاذ القرارات، بل هي لتوليد خيارات لاستخدامها في مرحلة المتابعة من قبل صناع القرار الليبيين.
ويعني ذلك تجاهل الدعوات لإحياء مسودة الدستور، التي لم يتم التوافق على عرضها على الاستفتاء الشعبي.
ما قدمته خوري على شكل مبادرة، أثار تساؤلات المتابعين للشأن الليبي، حيث قال المحلل السياسي، إسلام الحاجي، إن البعثة لجأت إلى تبني "الغموض الإستراتيجي" الذي تستعمله الكثير من الدول خلال حالة "اللايقين"، وعندما تكون عاجزة عن اتخاذ خيارات سهلة.
ووصف الحاجي هذه الخطوات بـ"الهلامية"، إذ شكلت صدمة على مستوى الرأي العام والنخب الليبية والسياسيين الذين سئموا من وعود مندوبي الأمم المتحدة بتوحيد السلطات الليبية للوصول إلى قاعدة قانونية، ومسار دستوري.
وأوضح المحلل الحاجي، لـ"إرم نيوز"، أن "الضحك على ذقون الليبيين متواصل منذ العام 2014، إذ لم يتم تحقيق أي نقطة من التعهدات، ما أفقد الثقة في نشاط البعثة من جهة، وبين الأطراف الليبية من جهة ثانية".
وقلّل من فرص تحقيق أي اختراق في المسار الدستوري بناء على اقتراب ولاية خوري من نهايتها، لافتًا إلى مطالبة المندوب الروسي وعدد من ممثلي الدول في إحاطة مجلس الأمن الأخيرة بتعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا.
وأشار الحاجي إلى أن موسكو ألمحت إلى أن وجود خوري هو فقط لإثبات استمرار عمل بعثة الأمم المتحدة، واستمرار وجودها على الأرض، مؤكدًا أن المشهد السياسي في حالة جمود، ولن تستطيع البعثة برئاستها الحالية تقديم أي جديد لتحريك العجلة للأمام، وإيجاد توافق يمكن البناء عليه في المستقبل القريب.
وتابع: "ستيفاني خوري واقعة بين المطرقة والسندان، أمريكا وروسيا".
من جانبه، قال المحلل السياسي، حسام الدين العبدلي، إن البعثة الأممية ستعتمد على 3 نقاط، أولها اللجنة الفنية التي ستشرف على قانون الانتخابات، مؤكدًا عدم وضوح كيفية القيام بالتعديلات الانتخابية اللازمة، متسائلًا هل ستكون لها تعديلات على لجنة 6+6، وهي محل انقسام بين مجلسي النواب والدولة.
وأشار العبدلي، لـ"إرم نيوز"، إلى أن مجلس النواب أحال القوانين إلى المفوضية العليا للانتخابات، وهي ملزمة وغير قابلة للتعديل بحكم المادة 13 للإعلان الدستوري أو الاتفاق السياسي.
وأضاف أن الأمر الآخر المثير للغموض هو طبيعة اللجنة الفنية، مما تتشكل؟، ومن هم النخب.. هل هم سياسيون أم من أعضاء مجلس النواب؟
وأكد أهمية ما ذهبت إليه خوري حول انبثاق حكومة موحدة عن حوارات اللجنة، متسائلًا عن مصير مجلسي النواب والدولة في ظل الحوار الجديد، لاسيما أن الشارع الليبي لا يريد التمديد لهما، وسئم من وجود هذين المجلسين، إذ يعتبران منتهيي الصلاحية، في حين أن مجلس الدولة انقسم بين محمد تكالة وخالد المشري، وفق تعبير العبدلي.
وضرب الانقسام رئاسة المجلس الأعلى للدولة، بعد الدخول بحالة تنازع قضائي بين المشري الذي اعتبر نفسه فائزًا بفارق صوت واحد، وتكالة الرافض لنتائج انتخابات الرئاسة التي أجريت، مطلع أغسطس/آب الماضي، إذ كانت ورقة ملغاة هي سبب هذا الخلاف.
ويعد المجلس الأعلى للدولة هيئة استشارية تأسست بديلًا عن المؤتمر الوطني العام بعد اتفاق المغرب للعام 2015، وهو شريك لمجلس النواب في إعداد القوانين الانتخابية، حيث عملا لنحو عامين ضمن عدة حوارات مشتركة بين ممثلي المجلسين في لجنة 6+6 قبل أن يقدم البرلمان على إجراء تعديلات غير توافقية على النسخة الأولى رفضها تكالة.
وجاء استحداث اللجنة عقب إلغاء الانتخابات الوطنية التي كان مقررًا إجراؤها، في 23 ديسمبر/كانون الأول العام 2021، في أعقاب خلافات حول شروط الترشح، إذ توقفت منذ ذلك الحين العملية السياسية التي تدعمها الأمم المتحدة.
ورغم أن المسار الدستوري من صلاحيات المؤسسات التشريعية، إلا أن السلطة التنفيذية في طرابلس تدفع ليكون لها دور في العملية السياسية، عن طريق استحداث قوانين عادلة للاستحقاق، يجري بمقتضاها أولًا الاقتراع البرلماني، ثم الانتخابات الرئاسية، حتى يتم التخلص من الخصوم في شرقي البلاد.
ومؤخرًا، وجه رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، عدة رسائل إلى مجلس النواب، كان آخرها كلمة ألقاها في لقاء محلي، جاء فيها: "نحن قادرون على إجراء الانتخابات، وأثبتنا ذلك في الانتخابات البلدية قبل أيام.. أعلم أن هناك أطرافًا ستعمل على أشياء مؤقتة حتى يستمروا في المشهد، لكننا نريد قواعد دستورية واضحة لإجراء الانتخابات".
وشدد الدبيبة على ضرورة التعجيل بالدستور، متسائلًا: "من أخفى الدستور في الأدراج؟"، لافتًا إلى أن "الحل في ليبيا هو بالدستور فقط.. لنختار رئيسًا لبلادنا، ورئيس حكومة وبرلمان".
وقبلها بأيام، دعا الدبيبة إلى إعادة تفعيل دور الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، باعتباره أساسًا لاستقرار ليبيا ومستقبلها السياسي، مستنكرًا ما وصفها بـ"مؤامرة تعطيل الاستفتاء على الدستور".
وأشار خلال لقائه عددًا من أعضاء الهيئة في طرابلس، إلى أن هذه العرقلة تمثل استهدافًا لإرادة الشعب الليبي.
وقال الدبيبة إن أي محاولات لعرقلة هذا المسار هي عرقلة مباشرة لمسيرة الشعب الليبي نحو بناء دولة القانون والمؤسسات.
ويفتح هذا الملف الباب مجددًا أمام إحياء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، التي اعتمدت مسودته في العام 2017، وأحالته إلى مجلس النواب لعرضه على الشعب للاستفتاء، قبل أن يواجه بالرفض من عدة أطراف سياسية ومجتمعية.
وبموازاة ذلك، يبدي المجلس الرئاسي تمسكه بالمفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني، التي بادر بتأسيسها متجاهلًا رفض مجلس النواب اعتمادها، واعتبارها "غير قانونية"، بحسب الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف في بنغازي في نوفمبر /تشرين الثاني الماضي.
وترى الناطقة باسم المجلس الرئاسي، نجوى وهيبة، أن الاستفتاء الشعبي يعد من الأدوات المهمة لكسر حالة الجمود السياسي ومعالجة الإجراءات الأحادية التي تعوق مسار الاستقرار في ليبيا.
وقالت إن المجلس الرئاسي، بصفته جهة سيادية، يملك صلاحيات للتواصل مع الشعب واستطلاع آرائهم كوسائل موثوقة.
وأشارت إلى إمكانية الاعتماد على المفوضية التي تم إنشاؤها حديثًا كآلية فعالة لتنظيم الاستفتاءات وجمع آراء المواطنين بشكل دقيق ومنظم.
وشددت وهيبة على حق الليبيين بالتعبير عن آرائهم ومواقفهم في عدد من القضايا الحساسة والجوهرية، عبر وسائل موثوقة كالهيئة الوطنية للاستفتاء والاستعلام.