أكدت تقارير صحفية عالمية، وإفادات لمنظمات حقوقية، وشهود وضحايا استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية، خصوصًا في الأشهر الأخيرة من العام 2024، والأولى من 2025، في إطار سعيه لحسم الصراع الذي بدأ في أبريل/ نيسان 2023.
الاعتراف جاء ضمنيًا من الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني، نبيل عبد الله، الذي أقرّ باستخدام قواته في معركة القصر الجمهوري في مارس/ آذار الماضي، بعبارته لوسائل الإعلام أن الجيش "أباد" المئات من مقاتلي قوات "الدعم السريع" في القصر ومحيطه.
الجيش يعترف
هذا التصريح بحسب الباحث والمختص بالشأن السوداني عمار سعيد "اعتراف باستخدام أسلحة محرّمة دوليًا، وهي غازات سامة بوساطة المسيّرات باستهداف الأنفاق التي تربط القصر بالمباني المجاورة".
ويلفت عمار سعيد في تصريح لـ"إرم نيوز" إلى تقارير سابقة في تجمّعات سكينة مثل الكومة والضعين وكبكابية وجنوب الخرطوم وشرق النيل، ارتكب فيها الجيش "تجاوزات خطيرة إلى حد استخدام أسلحة ومسيرات متطورة بذخائر عنقودية وشديدة الانفجار من قبل الجيش والميليشيات الإرهابية المتحالفة معه".
غاز الخردل
ومن القرائن الأخرى، تهديد صريح من إحدى المنصات التابعة للجيش باستخدام غاز الخردل وأسلحة كيماوية في الأنفاق والمناطق التي تنطلق منها قوات "الدعم السريع" في وسط وشرق الخرطوم، وذلك بعد سيطرة الدعم السريع على مخازن استراتيجية للأسلحة في غرب العاصمة.
إلا أن الكشف الأكبر في مسألة استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية، جاء عبر صحيفة "نيويورك تايمز" في يناير/ كانون الثاني الماضي، حين نقلت عن 4 مسؤولين أمريكيين أن قوات عبد الفتاح البرهان استخدمت تلك الأسلحة "مرتين على الأقل".
وكشفت الصحيفة الأمريكية حينها أن الجيش السوداني استخدم الأسلحة الكيميائية، في مناطق نائية من البلاد، ضد عناصر من قوات الدعم السريع، لافتة إلى خشية الأمريكيين من استخدامها في مناطق تكتظ بالسكان في العاصمة الخرطوم.
غاز الكلور
كما حصلت الولايات المتحدة على معلومات استخباراتية تفيد باحتمال استخدام أسلحة كيميائية قريبًا في بحري، شمال الخرطوم، حيث اندلعت معارك ضارية في الأشهر الأخيرة مع تنافس الجانبين على السيطرة على العاصمة.
ورجحت مصادر أن الأسلحة الكيميائية التي استخدمها الجيش السوداني، هي غاز الكلور، والذي عند استخدامه كسلاح، يُمكن أن يُسبب ضررًا دائمًا للأنسجة البشرية، وفي الأماكن الضيقة، يُمكن أن يُغير الكلور الهواء المُتنفس؛ ما يؤدي إلى الاختناق والوفاة.
واستُخدم الكلور كسلاح لأول مرة خلال الحرب العالمية الأولى، ويُحظر استخدامه في القتال بموجب القانون الدولي. في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، استخدمته الفصائل المسلحة في العراق كسلاح في هجمات على القوات الأمريكية. كما استُخدم في قنابل بدائية الصنع من قِبل مقاتلي داعش ونظام بشار الأسد في سوريا.
وتحدثت معلومات عن أن المعرفة ببرنامج الأسلحة الكيميائية السوداني مقتصرة على مجموعة صغيرة داخل الجيش، وأن البرهان هو الذي سمح باستخدام تلك الأسلحة.
تأكيد دولي
وإن كانت قيادة الجيش السوداني ردّت على تقرير "نيويورك تايمز" باعتبار أنه يستند إلى "مزاعم لا أساس لها من الصحة" وأن الجيش "لا يمتلك مثل هذه الأسلحة"، فإن تقريرًا سابقًا لمنظمة العفو الدولية، يعود إلى العام 2016، أكد امتلاكها أدلة موثوقة على حيازة واستخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية.
وكان تقرير منظمة العفو الدولية يتحدث عن 30 هجومًا للجيش السوداني على منطقة في غرب دارفور العام 2016، استخدم فيها أسلحة كيميائية؛ ما أدى إلى مقتل وتشويه مئات الأشخاص، بمن فيهم الأطفال، كما نشرت المنظمة صورًا لأطفال مصابين بجروح وبثور، وبعضهم يتقيأ دمًا، أو عاجزين عن التنفس.
ومن الأسحلة المحرمة وشديدة الفتك، استخدم الجيش السوداني أيضًا "البراميل المتفجّرة"، وهي اتهامات مباشرة وجهتها قوات الدعم السريع للجيش، وتحديدًا في ولايات دارفور والجزيرة والخرطوم وكردفان، مؤكدة أنها استهدفت المدنيين الأبرياء.