يرى خبراء أن مناورات الدول المشاطئة للبحر الأحمر تتجاوز الطابع التدريبي إلى "إعادة تعريف مفهوم الأمن البحري كأمن عربي مشترك" بعد عامين من الاضطرابات التي حوّلت الممر المائي الاستراتيجي إلى مسرح لتقاطع القوى الإقليمية والدولية.
والأحد الماضي، شهدت قاعدة الملك فيصل البحرية انطلاق مناورات "الموج الأحمر 8"، التي تستضيفها القوات الملكية السعودية، بمشاركة قوات بحرية لعدد من الدول المطلّة على البحر الأحمر، ممثلة بالأردن، ومصر، وجيبوتي، والسودان واليمن، بالإضافة إلى مراقبين من باكستان وموريتانيا، لتعزيز التعاون العسكري المشترك، وتنسيق حماية الممرات البحرية الحيوية.
ويهدف التمرين البحري المختلط، المستمر حتى الخميس القادم، إلى "توحيد جهود أمن البحر الأحمر وحماية الممرات البحرية الاستراتيجية، وضمان حرية الملاحة وخطوط الإمداد العالمية، بما يسهم في حماية أمن الطاقة والتجارة الدولية"، طبقا لوكالة الأنباء السعودية.
ويتضمن عمليات بحرية "تشمل الحروب السطحية وتحت السطحية والجوية، والحرب الإلكترونية، والتصدي للزوارق السريعة، وحماية خطوط الملاحة، إلى جانب مكافحة التهريب والإرهاب والقرصنة والهجرة غير الشرعية".
وتعكس المناورات البحرية الأهمية الجيوستراتيجية والاقتصادية للبحر الأحمر، كممر بحري حيوي للتجارة العالمية، يربط بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، فضلا عن أهميته كأحد أبرز منافذ إنتاج الطاقة في العالم.
وعلى مدى العامين الماضيين، أدت التوترات الأمنية الناجمة عن انخراط ميليشيا الحوثي في الصراع الإقليمي، وهجماتها المتكررة على السفن، إلى انخفاض حركة النشاط التجاري في البحر الأحمر، ما أحدث اضطرابات اقتصادية واسعة، دفعت الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى تشكيل تحالفات عسكرية دولية لحماية الملاحة الدولية وضمان حريّة التدفّق التجاري.
وقال خبير الشؤون العسكرية والاستراتيجية، الدكتور علي الذهب، إن "الموج الأحمر" تقليد سنوي دأبت المملكة العربية السعودية على إقامته بانتظام وحافظت على مشاركة عدد من الدول فيه، "لتنفيذ تمرينات تكتيكية تشمل عمليات التدريب والوعي البحري، لخلق استعداد عسكري وأمني يحافظ على أمن البحر الأحمر، بعد ما تعرّض له من تهديدات بفعل نشاط الحوثيين".
وأضاف الذهب لـ"إرم نيوز"، أن التهديدات الحوثية لم تقتصر على هجماتهم العنيفة تجاه سفن الشحن التجارية، "بل تضمنت عمليات غير مشروعة، منها تهريب الأسلحة التقليدية والتقنيات العسكرية الدقيقة، بالإضافة إلى المخدرات، في ظل تصاعد علاقاتهم مع جماعات عنف مسلحة في المنطقة، على رأسها حركة الشباب في الصومال، ناهيك عن النشاط المرتبط بالإرهاب والقرصنة".
وأشار إلى أن هذا الدور الإقليمي يعزز الشراكة الأمنية بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر، والمبادرات والتحالفات الدولية المتواجدة فيه "تحت يافطة مكافحة التهديدات التي تواجه أمن الملاحة البحرية".
وتواظب وحدات عسكرية محدودة من قوات البحرية اليمنية وعدد من الضباط، على تمثيل اليمن في المناورات البحرية المشتركة، للعام الثامن تواليا، ما أسهم في رفع قدراتها الأمنية وتعاونها مع القوات الإقليمية، ومكّنها خلال الفترة الأخيرة من ضبط العديد من شحنات الأسلحة والمعدات والمخدرات المهرّبة القادمة إلى الحوثيين.
ومع الأهمية المتصاعدة للقوات البحرية اليمنية التي أبرزتها أزمة البحر الأحمر، كثّف المجتمع الإقليمي والدولي من مساهماته الداعمة عبر برامج تدريبية متخصصة وتوفير المعدات وبناء القدرات المؤسسية، بهدف تمكينها من تأمين مياه اليمن الإقليمية، وإنفاذ القانون البحري بالبحر الأحمر.
وقال محلل الشؤون الأمنية، عاصم المجاهد، إن مشاركة البحرية اليمنية في مثل هذه المناورات "تُعدّ فرصة ثمينة لإعادة دمجها في المنظومة العربية، بعد سنوات من التفكك والجمود".
وأضاف في حديثه لـ"إرم نيوز"، أنه رغم الإمكانيات الشحيحة، إلا أن احتكاك القوات اليمنية المباشر مع قوات أكثر تجهيزا وتطورا يمنحها خبرة ميدانية مهمة، ويعيد الثقة في قدرتها على حماية سواحل البلد مستقبلا، "خاصة مع الدعم اللوجستي والتقني المتوقع أن يُرافق هذه الشراكات".
ويرى المجاهد أن مناورات "الموج الأحمر 8"، تمثّل خطوة نوعية تتجاوز البعد التدريبي التكتيكي، إلى "صياغة مفهوم الأمن البحري، كأمن عربي جماعي، بعد أن تحوّل البحر الأحمر مؤخرا إلى ساحة نفوذ مفتوحة أمام القوى الدولية والإقليمية غير العربية".
وبيّن أن التدريبات المشتركة تعمل على بناء ثقة عملياتية بين القوات العربية، وتضع خطوط تنسيق ميدانية يُمكن تفعيلها سريعا في أي مواجهة أو طارئ أمني".
وختم حديثه بالقول إن الرسالة السياسية لهذه المناورات "واضحة وتكشف عن إرادة عربية تتشكل لإعادة ضبط موازين القوة في البحر الأحمر، وكبح جماع الميليشيات التي تحاول استخدام الجغرافيا البحرية كورقة ابتزاز سياسي وأمني، تساوم بها العالم".