يشهد الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان مرحلة جديدة من الصراع الداخلي بعد أن تخلى البرهان عن تحالفه مع التيار الإسلامي ظاهرياً، وأطاح بالقيادات الإخوانية التي استنفد مصلحته منها.
وأشار خبراء إلى أن البرهان استعان، بدلا من هؤلاء، بقيادات عسكرية أكثر ولاء له، في خطوة توصف بأنها تسوية تكتيكية تهدف إلى امتصاص الضغوط الدولية، دون قطيعة حقيقية مع الإخوان.
وبحسب الخبراء، فإن هذه التحولات تعكس عمق الانقسام داخل المؤسسة العسكرية وبين تيارات الإسلاميين أنفسهم، حيث يسعى البرهان إلى إعادة ترتيب المشهد بما يحفظ موقعه في السلطة، فيما يواجه رفضًا من القيادات الإخوانية التي ترى في تحركاته خيانة لتحالف استراتيجي طالما وفر له الدعم والغطاء السياسي.
في هذا السياق، قال الباحث السياسي، عثمان النجيمي، إن الإخوان المسلمين اعتمدوا منذ زمن سياسة "تغيير الجلد" من خلال إدخال عناصر الصفوف الثانية والثالثة ككوادر مزروعة داخل المؤسسات المدنية والعسكرية والصحية، بعيداً عن المشهد الإخواني يتم استبدالهم وقت الحاجة.
وأضاف: على هذا الأساس، قام البرهان مراراً بتبديل الضباط المعروفين المنتمين للحركة الإسلامية والاستعانة بضباط من الصفوف الخلفية، ما أثار استياء قيادات الإخوان الكبيرة وأوجد توتراً جديداً بينها وبين البرهان نفسه.
وذكر النجيمي لـ "إرم نيوز" "أن البرهان نفسه إخواني، ومع ذلك يسعى للتبرؤ ظاهرياً من هذه الصفة عبر استبدال الوجوه القيادية بوجوه أقل شهرة، بينما الواقع أن قيادات المجلس العسكري الانقلابي (ومن بينهم ياسر عطا، وكباش، وإبراهيم جابر) هم من الإخوان المسلمين أنفسهم، ويغيرون مظاهرهم تبعاً للظروف السياسية".
ولفت إلى أن التغيير الأخير تزامن مع مقتل طاهر إيلا، آخر رئيس وزراء من الإخوان في حكومة عمر البشير، في ظروف لم تُكشف ملابساتها رسمياً، لكن ثمة دلائل تؤكد اغتياله.
وقال النجيمي إن هذا الحادث جزء من صراع داخلي تديره مجموعات متنافسة، نافع وعلي محمود من جهة، وعلي كرتي وطاهر إيلا ومؤيدوهم من جهة أخرى، وانتهى بتصفية تيارٍ لصالح مغامرات عسكرية استخدمت مرتزقة أجانب في الخرطوم والجزيرة ووسط السودان.
وأشار إلى أنه بعد إنجاز مهمات ميدانية انسحب جزء من هؤلاء المرتزقة فصُنفوا لاحقاً كأدوات غير مرغوب فيها.
وأوضح النجيمي أنه جرى إرسال هؤلاء المرتزقة إلى مناطق مثل كردفان كوسيلة لتصفية الحسابات أو إخراجهم من مناطق النفوذ التقليدية.
وفي ضوء الضغوطات الإقليمية والدولية، أشار النجيمي إلى أن البرهان يسعى إلى إقصاء القيادات الإخوانية البارزة وإحلال قيادات إسلامية غير معروفة للإيحاء بأنها جزء من الجيش لا من الحركة.
وأكد أن هذه المحاولات مكشوفة، فالشعب السوداني والمجتمع الدولي باتا يميزان الوجوه والولاءات، وأي تبديل داخلي بين الإخوان معروف ومكشوف، ما يجعل من استراتيجية "التغيير الظاهري" غير فعالة على مستوى التمثيل الدولي والشرعية المحلية.
ومن جهته قال الكاتب والمحلل السياسي عمار سعيد إنه في الوقت الذي يحاول فيه البرهان الإيحاء للمجتمع الدولي بأنه يتجه نحو تفكيك تحالفه العميق مع التيار الإسلامي داخل المؤسسة العسكرية، تكشف الوقائع الميدانية والسياسية عن سيناريو متكرر فقد صدقيته تماماً في الأوساط المحلية والدولية على حد سواء.
وأضاف سعيد لـ "إرم نيوز" أن البرهان أعلن مؤخراً عن إقصاء عدد من القيادات الإخوانية التي ظل يعتمد عليها منذ اندلاع الحرب، في خطوة فسّرت على أنها محاولة جديدة لاسترضاء الرباعية الدولية التي فقدت ثقتها في وعوده المتكررة بالانفتاح السياسي والالتزام بخريطة الطريق.
وتساءل الخبير: هل يمتلك البرهان فعلاً القدرة على فك الارتباط بالإسلاميين؟، مؤكدا أن الشواهد تشير إلى العكس تماماً.
وأوضح أنه طوال السنوات الماضية، كلما اشتدت الضغوط عليه داخلياً أو خارجياً، لجأ البرهان إلى المناورة، مقدماً تنازلات شكلية سرعان ما يتراجع عنها تحت ضغط الدائرة الإخوانية المتغلغلة في مفاصل الجيش والأمن والدبلوماسية والإدارة المدنية.
وأشار إلى أن البرهان سبق أن تعهّد أمام المبعوثين الدوليين بتسليم السلطة للمدنيين في 2022، لكنه انقلب على الاتفاق بعد أسابيع قليلة، كما وعد بإخراج رموز النظام السابق من مؤسسات الدولة، فإذا به يعيد تمكينهم ويمنحهم مواقع القرار والتمويل والتجنيد.
وذكر سعيد أن البرهان أمام خيارين: إما أن يواجه التيار الإخواني المتجذر داخل الجيش السوداني بما يحمله ذلك من مخاطر على بقائه، أو أن يواصل التلاعب بالمجتمع الدولي متذرعاً بالحرب لتأجيل الإصلاحات المطلوبة.
وأكد أنه في كلتا الحالتين، تبدو فرصه في كسب ثقة الرباعية شبه معدومة بعد أن استنفد رصيد المراوغة.