الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
فتح القضاء الفرنسي، اليوم الاثنين، ملفًا قضائيًّا جديدًا يطال اسمًا بارزًا في الساحة السياسية اللبنانية، إذ أعلن الادعاء المالي الوطني في باريس (PNF) عن فتح تحقيق أولي ضد رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي وعدد من أفراد عائلته، بتهم تتعلق بـ"الفساد" و"تبييض الأموال" و"تكوين عصابة أشرار في إطار منظم".
الخطوة جاءت بناءً على شكوى تقدمت بها جمعيات فرنسية لمكافحة الفساد، أبرزها منظمة "شيربا"، وتحالف "ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية في لبنان (CVPFL)" في أبريل/نيسان العام 2024.
هذه الشكوى كانت ضد ميقاتي، وشقيقه طه وعدد من أفراد عائلتهم، وردّ ميقاتي حينها في بيان قائلًا: "مصدر ثروتي العائلية شفاف وشرعي بالكامل"، مضيفًا أنه "دائمًا ما تصرف ضمن الاحترام الصارم للقوانين".
وبعد عام، قدّم المدّعون معلومات إضافية للنيابة العامة توضح بالتفصيل الظروف التي وُصفت بـ"الاحتيالية"، والتي مكّنت عائلة ميقاتي من تكوين ثروتها في فرنسا والخارج، أحيانًا بمساعدة وسطاء، بما قد يشكل مخالفات تبرر ملاحقات في فرنسا.
واعتُبرت هذه العناصر "كافية لتجاوز عتبة الشبهات وتبرير فتح تحقيق في مخالفات بالغة الخطورة، خصوصًا في مجال التبييض"، بحسب تصريح المحامي ومؤسس جمعية "شيربا"، ويليام بوردون، لصحيفة "لوريان لو جور".
ومن بين الأصول المذكورة في الشكوى: عقارات مسجلة باسم ميقاتي وأقاربه في فرنسا، ولا سيما في باريس والريفيرا الفرنسية، وكذلك في موناكو وسان جان كاب فيرا، حيث الاستثمار في دار الأزياء Façonnable؛ ويختان بقيمة 100 و125 مليون دولار لنجيب وطه ميقاتي على التوالي، إضافة إلى طائرتين خاصتين.
وتشير مصادر مقربة من CVPFL إلى حالات قد تبرر الشكوك بشأن ثروة عائلة ميقاتي، من بينها دخول الأخوين ميقاتي إلى رأسمال بنك عودة عام 2010.
وكي يمولا شراء نحو 11% من أسهم البنك (ارتفعت لاحقًا إلى 14%)، حصلا على قروض بقيمة 300 مليون دولار من البنك نفسه.
ويعلّق خبير قانوني لبناني بالقول: "قانون التجارة يمنع شراء أكثر من 5% من أسهم شركة عبر قروض تمنحها الشركة نفسها أو تضمنها"، مضيفًا أن "قانون النقد والتسليف يفرض قيودًا صارمة على قروض المساهمين، ويمنع رهن الأسهم الممولة بقروض".
وأشارت مصادر قانونية أخرى إلى أن تعميمًا من مصرف لبنان يحظر على البنوك منح قروض لشراء أسهمها.
لكن العملية حظيت بمعاملة خاصة من مصرف لبنان برئاسة رياض سلامة آنذاك، حيث لم تُجمع حصص الأخوين في كيان واحد بل اعتُبرت منفصلة؛ ما أتاح الالتفاف على السقوف والقيود التنظيمية.
بدوره، أكد مصدر مصرفي معني أن العملية جرت "وفق القوانين المرعية وتحت إشراف مصرف لبنان"
وأضاف أن "هذه قضية قديمة بُحثت بالتفصيل في الإعلام المحلي، وتبيّن أن لا شبهة فيها".
وأشار إلى أن النائبة العامة في جبل لبنان، غادة عون، كانت طلبت فتح تحقيق جديد وملاحقات ضد سلامة وميقاتي وشقيقه بشأن هذه العملية.
كما يسلّط المدّعون الضوء على ظروف تراكم ثروة العائلة، ويرون أن القضاء ينبغي أن يحقق في منح امتيازات غير قانونية وفي احتمال إساءة استخدام النفوذ، بالنظر إلى المناصب الوزارية والسياسية التي شغلها نجيب ميقاتي.
وفي العام 1994، في ظل الاحتلال السوري للبنان، منحت الحكومة اللبنانية ترخيصًا لشركتي الاتصالات "ليبانسل" و"سيليس" ، وكان الأخوان ميقاتي من أبرز المساهمين فيهما.
وبعد خمس سنوات، اتُّهما بالتصريح المنقوص عن الإيرادات؛ ما حرم الخزينة من مئات ملايين الدولارات، ودفع الحكومة لفرض غرامة بقيمة 600 مليون دولار، تم الطعن فيها.
لاحقًا، وبوساطة الرئيس اللبناني السابق إميل لحود، ورئيس الحكومة رفيق الحريري، تقرر إحالة الغرامات إلى تحكيم دولي مع دفع الدولة اللبنانية أكثر من 100 مليون دولار كتعويض.
وأحاطت شبهات مشابهة أيضًا بخصخصة إحدى شركتي الاتصالات في سوريا "إنفستكوم" لصالح عائلة ميقاتي في عهد الرئيس السابق بشار الأسد.
وعام 2022، طلب القضاء في ليختنشتاين تعاونًا قضائيًّا من لبنان في إطار تحقيق بتبييض أموال ضد رياض سلامة.
وأشار التحقيق إلى اتفاق في العام 2016 بين شركة يملكها سلامة في سويسرا وأخرى مرتبطة بميقاتي (M1)، حيث حوّل طه ميقاتي 14 مليون دولار إلى شركة مسجلة في ليختنشتاين، ولها حساب مصرفي في سويسرا.
كذلك، ذكرت الشكوى استخدام شركات وهمية وملاذات ضريبية واستثمارات في مناطق نزاع كوسائل محتملة لتبييض الأموال.
وبعد أوراق بنما (2016) وأوراق باندورا (2021)، التي كشفت استخدامه لشركة استثمارية في بنما لشراء عقار في موناكو، نفى ميقاتي أي عملية احتيال.
وفي فبراير/شباط عام 2022، أصدر قاضي التحقيق الأول في بيروت، شربل أبو سمرا، قرارًا بكفّ التعقبات في قضية "القروض المدعومة" من مصرف لبنان، والتي كانت غادة عون رفعت دعاوى فيها ضد ميقاتي وشقيقه وابنه ماهر.
واعتبر القاضي أن الوقائع سقطت بمرور الزمن.
وفي أغسطس/آب عام 2023، أسقط القضاء في موناكو ملاحقات بتهمة "الإثراء غير المشروع" و"التبييض" لعدم كفاية الأدلة.
في المقابل، أصدرت عائلة ميقاتي بيانًا نفت فيه تلقّيها أي إشعار رسمي من السلطات الفرنسية بشأن التحقيق، مؤكدة أن ثروتها "شرعية وشفافة" ومتأتية من "سنوات طويلة من العمل والاستثمارات الدولية قبل أي تولٍّ للمسؤوليات العامة في لبنان".
وجاء في البيان: "لدينا ثقة كاملة في استقلالية وجدية القضاء الفرنسي، ونحن على استعداد لتقديم أي معلومات إضافية تطلبها السلطات المختصة. ونرفض أي محاولات سياسية أو انتهازية لتشويه سمعتنا عبر تكرار مزاعم سبق أن أسقطتها محاكم عدة".
كما شددت العائلة على تمسكها بمبدأ "قرينة البراءة"، محذرة من أنها ستلجأ إلى القضاء في لبنان والخارج لملاحقة من يقف وراء ما وصفته بـ"حملة منظمة لتشويه السمعة".