logo
العالم العربي

من النفي إلى المناورة.. ما وراء البيان الأول لـ"إخوان سوريا" بعد سقوط النظام؟

من النفي إلى المناورة.. ما وراء البيان الأول لـ"إخوان سوريا" بعد سقوط النظام؟
رايات الإخوان المسلمين
15 أغسطس 2025، 11:58 ص

ما زال البيان الذي أصدره تنظيم "الإخوان المسلمين"السوري يلقى صدىً واسعاً في الأوساط السورية وتلك المتابعة للحركات و المنظمات الإسلامية، إذ شكل البيان علامة فارقة في المشهد السوري المشتعل، ليس فقط بسبب اللغة واللهجة المستخدمة في البيان، وإنما في توقيته، حيث يأتي في لحظة مفصلية يُعاد فيها رسم ملامح الدولة السورية.

وتساءل مراقبون إن كانت الجماعة المحظورة، تحاول إعادة تقديم نفسها كفاعل سياسي أساس في مشهد ما بعد الحرب، وطرح نفسها كبديل جاهز للسلطة الحالية، فيما لو تم التخلي عنها دولياً وإقليمياً؟

فيما يلفت آخرون إلى ما يبدو أنه "نفاد لصبر الجماعة"، متسائلين: هل ضاق التنظيم ذرعاً من تجاهل السلطة له ومنعه "كتنظيم لا كأفراد" من العودة والنشاط في الداخل السوري بعد 40 عاماً من النفي والمنع؟.

أخبار ذات علاقة

مقاتلون سوريون يحتفلون بسقوط نظام الأسد

خاص- تحرك بالخفاء وشراء ولاءات.. الإخوان يديرون "حرب الظل" في سوريا

 "شعرة معاوية"

تقول مصادر سياسية سورية، إن البيان المتأخر الذي أصدرته جماعة الإخوان المسلمين، عقب 8 أشهر على سقوط نظام الأسد، جاء بعد فترة انتظار طويلة لأي إشارة من السلطات الحالية في دمشق تجاهها، ولكن دون أن تصل هذه الإشارة حتى الآن.

وتضيف المصادر في حديثها لـ "إرم نيوز" أن "الإخوان" تمسكوا بما أملوا أنه "شعرة معاوية" مع النظام الجديد، فلم تطرح الجماعة طيلة الفترة الماضية تذمرها على العلن، وسارعت إلى إصدار بيانات تتوافق مع سياسات العهد الجديد في الأحداث المفصلية. فباركت "مؤتمر النصر" والقرارات الصادرة فيه، وتبنت رواية السلطة في مجازر الساحل، في آذار (مارس)، والسويداء في تموز (يوليو).

ولكن كل ذلك، لم يغير من موقف السلطة التي رفضت حتى الآن السماح لـ"الإخوان" بفتح أي مقار ومكاتب في سوريا لمعاودة نشاطهم العلني في البلاد، كما تقول المصادر. حيث تم التضييق على تمدّد التنظيم في الفترة الماضية .

وكانت مصادر خاصة أبلغت "إرم نيوز" أن ممثلين عن جماعة "الإخوان المسلمين" السورية وجهوا طلباً للسلطات في دمشق، يقضي بفتح مقار ومكاتب للجماعة في سوريا لمعاودة نشاطها العلني في البلاد، لكن رد الرئيس السوري أحمد الشرع جاء برفض فتح هذه المقار في الوقت الحالي.

وتقول المصادر إنه "في ظل عدم صدور قانون للأحزاب تقبّلت الجماعة أنها ما زالت محظورة رسمياً، وأن القانون 49 لعام 1980، الذي يحكم على المنتسب إليها بالإعدام، لم يُلغ، وأن أعضاءها الذين زاروا البلد مطلوبون على الحدود التي تسمح بدخولهم أو خروجهم بعد الاتصال بجهة في دمشق. بمن فيهم مراقبها العام الذي قبل بحضور "مؤتمر الحوار الوطني السوري" بصفته الفردية.

وتضيف أن "الإخوان" انتظروا إشارات من الحكم الجديد لكنها لم تصل، فبادروا إلى فتح أبواب العلاقة ليجدوا جفاء يخصّهم بالذات، بالإضافة إلى الاستخفاف العام الذي عوملت به كل هياكل المعارضة وأحزابها وجماعتها، مع رفض استقبالها ككتل بل كأفراد.

مرونة جديدة

 السياسي السوري أنس جودة، رأى أن البيان الذي أصدرته جماعة الإخوان المسلمين في سوريا يمكن اعتباره البيان السياسي الأول منذ سقوط النظام السابق في ديسمبر 2024، بعد غيابٍ دام قرابة 8 أشهرٍ عن المشهد العلنيّ، وقد جاء في توقيتٍ بالغ الحساسية، وسط ضغوطٍ دوليةٍ متزايدةٍ على الحكومة المؤقتة التي تقودها هيئة تحرير الشام، وفي ظل إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية والدولية حول الملف السوريّ.

ويضيف رئيس حركة البناء الوطني في سوريا، أن البيان يحمل رسالةً مركزيةً مفادها تبنّي صيغة "الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية" في محاولةٍ للجمع بين الشرعية القيمية الإسلامية ومتطلبات الحكم المؤسسيّ، بما يوحي بانفتاحٍ ولو بشكل ظاهري على مفاهيم المواطنة وسيادة القانون دون التخلّي عن الأساس الديني.

ويقول: "اعتمدت الجماعة خطاب "الداعم الناصح" للحكومة المؤقتة، في أسلوبٍ يتيح لها التمايز السياسي والفكري عن هيئة تحرير الشام دون الدخول في صدامٍ مباشرٍ معها، وفي الوقت ذاته النأي بنفسها عن تحمّل أيّ مسؤوليةٍ سياسيةٍ أو قانونيةٍ عن أفعالٍ أو قرارات السلطة القائمة. هذا الأسلوب يعكس حذرًا مدروسًا، ويترك الباب مفتوحًا أمام احتمالات التعاون أو الشراكة إذا ما تغيّرت الظروف أو تبدّلت موازين القوى.

 "فك ارتباط"

وفي خطوةٍ لافتةٍ، يتابع جودة، شددت الجماعة على أنها "حالة سورية خالصة"، في رسالةٍ تستهدف فك الارتباط الرمزي والسياسي عن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، بما يخفف الضغط الخارجي ويمنحها مساحةً أوسع للتحرك داخليًا وإقليميًا.

وجّه البيان رسائل شكر مرتبة بعناية، بدأت بتركيا تقديرًا لدورها في استضافة ملايين السوريين، مرورًا بقطر والسعودية والأردن كإشارةٍ إلى انفتاحٍ على العمق العربي، وانتهاءً بصيغةٍ عامةٍ تشكر الدول العربية والغربية، في محاولةٍ لترك قنوات التواصل مفتوحةً مع أيّ طرفٍ مستعدٍ لدعم السوريين.

يلفت السياسي السوري إلى أن اختيار هذا الترتيب يعكس حساباتٍ دقيقةً في ترتيب الأولويات وبناء التحالفات. ويوضح أن "توقيت صدور البيان بعد 8 أشهرٍ من سقوط النظام السابق يوحي بأنّ الجماعة كانت تنتظر وضوح المشهد السياسي والأمني قبل أن تعلن موقفها، وربما تراهن، اليوم، على أنّ الضغوط التي تواجهها الحكومة المؤقتة فتحت نافذةً مناسبةً لإعادة التموضع".

"من الواضح أن اللغة التي استخدمها البيان تسعى إلى تقديم الجماعة كبديلٍ إسلاميٍّ أكثر اعتدالًا وبراغماتيةً من هيئة تحرير الشام، قادرٍ على الجمع بين الهوية الدينية والانفتاح على الشركاء الدوليين والإقليميين، كما يقرأ أنس جودة، معتبراً أن هذا التموضع يراعي المواقف المتباينة للدول العربية؛ فبينما تبدي قطر انفتاحًا أكبر، تراقب السعودية بحذرٍ، ويتعامل الأردن ببراغماتيةٍ مشروطةٍ، في حين تبقى مصر والإمارات على موقفهما الرافض.

خطاب "تمويهي"

 أمّا في السياق الدوليّ، فيلفت السياسي السوري، إلى أن البيان جاء في ظلّ أنباءٍ عن اتجاه الولايات المتحدة نحو تصنيف الإخوان كمنظمةٍ إرهابيةٍ، وهو ما يفسر حرص الجماعة على تأكيد طابعها المحلي وخطابها المعتدل، كرسالةٍ استباقيةٍ لتفادي العزلة الدولية المحتملة.

بهذه الصيغة، يبدو البيان محاولةً لإعادة رسم موقع الجماعة على الخريطة السياسية السورية، مع المحافظة على مسافةٍ محسوبةٍ من السلطة، وتوجيه إشاراتٍ مدروسةٍ إلى العواصم المؤثرة في مستقبل البلاد، بحسب قول جودة.

ويختم "فعلياً إذا قرأنا البيان في ضوء التوقيت، واللغة المستخدمة، والسياق السياسي الراهن، فهناك معطيات تميل إلى ترجيح أنه أقرب إلى خطاب تمويهي منه إلى إعادة تموضع فعلية، لكن مع عناصر حقيقية لفتح خيارات مستقبلية. فالبيان لايحمل أي التزامات عملية أو خريطة طريق ولم يطرح خطوات ملموسة أو تغييرات تنظيمية داخل الجماعة، بل اكتفى بلغة عمومية فضفاضة يمكن تفسيرها بعدة اتجاهات".

أخبار ذات علاقة

ماركو روبيو

روبيو: نعمل على تصنيف "الإخوان المسلمين" كجماعة إرهابية

 "لغة مزدوجة"

من جهته، يقرأ الكاتب السياسي السوري مازن بلال في البيان "لغة مزدوجة مثل صيغة "الداعم الناصح" للسلطة، الأمر الذي يجنّبهم الصدام، لكنه يبقي مساحة كبيرة للمناورة، وهو أسلوب مألوف في الخطاب السياسي للإخوان حين يكونون خارج السلطة لكن مع طموح للعودة إليها، وفق قوله.

ويضيف أن "التوقيت المتأخر جداً للبيان يوحي بأن الجماعة كانت تراقب المشهد ولم تجد ضرورة للتعجيل بالظهور إلا حين وجدت فرصة لاستغلال الضغط الدولي على الحكومة المؤقتة."

ويخلص إلى أن "البيان في جوهره تموضع خطابي استباقي ربما يهدف إلى حماية الجماعة من العزلة الدولية، وتحسين صورتها أمام بعض الأطراف الإقليمية، أكثر منه إعلان عن تحول إستراتيجي جذري. لكنه يترك الباب موارباً أمام احتمالات انتقال مختلفة  في حال تغيّرت البيئة السياسية ووجدت الجماعة فرصة للمشاركة ضمن صيغة أوسع وهو أمر مستبعد عربياً على الأقل".

 

أخبار ذات علاقة

مظاهرة لـ"الإخوان المسلمين"

خاص- تزامناً مع حظرهم في الأردن.. ما حقيقة تجميد دمشق لنشاط "الإخوان"؟

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC