الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
شهد إقليم كردستان العراق عودة لافتة لمعادلة الحزبين التقليديين، بعد سلسلة من التطورات الأمنية والسياسية التي طالت أبرز شخصيات المعارضة، في مقدمتهم شاسوار عبد الواحد، زعيم "الجيل الجديد"، ولاهور شيخ جنكي، الرئيس المشترك السابق لـ"الاتحاد الوطني الكردستاني".
وهذه المستجدات، التي ارتبطت بحملة أمنية واسعة قادها "الاتحاد" في السليمانية، طرحت تساؤلات حول ما إذا كان الإقليم يتجه من جديد نحو احتكار السلطة بين الحزبين الرئيسيين، وسط تراجع فرص القوى الصغيرة التي حاولت كسر هذه الثنائية خلال العقدين الأخيرين.
وشكل اعتقال شاسوار عبد الواحد ضربة قاسية لحزب "الجيل الجديد"، الذي كان تمكّن في الانتخابات العراقية الأخيرة من حصد 9 مقاعد نيابية، إضافة إلى 15 مقعدًا في برلمان كردستان.
وبحكم الطابع الشخصي للحزب القائم على كاريزما زعيمه، وجد "الجيل الجديد" نفسه في أزمة داخلية، إذ إن غياب عبد الواحد عن المشهد، مع تجميد مصادر تمويله إثر مصادرة نحو 90 موقعًا من أملاكه التجارية، أضعف قدرته على خوض الدعاية الانتخابية أو قيادة تحركات جماهيرية مؤثرة.
أما لاهور شيخ جنكي، الذي مثل لسنوات الخطر الأكبر على قيادة بافل طالباني داخل "الاتحاد الوطني"، فقد أُبعد تمامًا عن الساحة بعد المواجهات الأخيرة.
ولاهور، الذي كان يتقاسم رئاسة الحزب مع ابن عمه حتى عام 2021، وقاد أهم الأجهزة الأمنية والاستخبارية فيه، واجه اتهامات مباشرة بالتورط في أحداث دامية أودت بحياة عناصر أمنية، وبالنتيجة، جرى تفكيك نفوذه السياسي والعسكري، والاستيلاء على مقاره، لينتهي عمليًّا أي حضور فعلي لـ"جبهة الشعب" التي كان يقودها.
بدوره، قال الباحث في الشأن السياسي عبدالله الريشاوي إن "إجراءات الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية تعكس رغبة واضحة بتهيئة الأرضية للانتخابات العراقية المقبلة، فالحزب الذي استخدَم سابقًا خطاب المعارضة في برلمان كردستان لتحقيق فوز صعب بـ23 مقعدًا، لا يستطيع تكرار السيناريو نفسه، لذلك، اختار اليوم التوجه بخطاب سلطوي، يظهره كشريك حقيقي في الحكم، وليس كقوة معارضة".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "تحجيم شاسوار عبد الواحد ولاهور شيخ جنكي يدخل في هذا السياق، لضمان عدم وجود قوى منافسة في معقله التقليدي".
وتبرز هذه التحركات في ظل تاريخ طويل من الانقسامات الداخلية داخل "الاتحاد الوطني"، منذ رحيل مؤسسه جلال طالباني عام 2017، حيث لم تنجح القيادة الجديدة بزعامة بافل وقوباد طالباني في استعادة وحدة الحزب.
لكن السيطرة الأمنية الأخيرة في السليمانية تشير إلى محاولة جادة لترتيب البيت الداخلي، ومنع أي احتمالات لانقلابات أو تحالفات غير متوقعة يمكن أن تهدد قيادة العائلة.
وفي المقابل، يراقب "الحزب الديمقراطي الكردستاني" هذه التطورات عن قرب. فالديمقراطي الذي يهيمن على أربيل ودهوك، لطالما سعى إلى استغلال أزمات الاتحاد عبر استضافة منشقين، أو استخدام نفوذه في بغداد لإضعاف خصمه.
ومع تراجع المعارضة في السليمانية، تزداد فرص العودة إلى ثنائية الحزبين في إدارة الإقليم، خاصة مع انكماش قوى مثل "حركة التغيير" أو تلاشي تجارب أخرى لم تتمكن من الصمود انتخابيًّا.
ويأتي ذلك أيضًا في وقت حساس تتداخل فيه ملفات الإقليم مع متغيرات إقليمية أوسع، بينها المفاوضات التركية - الكردية، وأوضاع الأكراد في سورية، فضلًا عن علاقة أربيل والسليمانية مع كل من واشنطن وطهران.
ويحتفظ الاتحاد الوطني بعلاقاته مع إيران، فيما يتبنى الديمقراطي الكردستاني علاقات أوثق مع أنقرة والغرب، وهو ما يجعل أي تفاهم بينهما خاضعًا لتأثيرات الخارج بقدر الداخل.
بدوره، أوضح رئيس مركز ميترو للحريات الصحفية رحمن غريب أن "ما جرى في السليمانية من محاكمة شاسوار عبد الواحد واقتحام منزل ومقر لاهور شيخ جنكي يمثل سابقة خطيرة في التعامل مع الخصوم السياسيين، فهو استخدام للقضاء والأجهزة الأمنية في تصفية الحسابات الداخلية".
وأضاف غريب لـ"إرم نيوز" أن "إقصاء أبرز زعيم معارض في الإقليم، وإضعاف جناح كامل داخل الاتحاد الوطني، يرسخ هيمنة الحزب الحاكم في السليمانية على حساب التعددية التي عُرفت بها المدينة لسنوات، إذ جرى إغلاق قنوات إعلامية ومؤسسات مرتبطة بالمعارضة، واستخدام السلاح المخصص لمواجهة الإرهاب في صراع داخلي".
وأكد أن "هذه التطورات لا تقف عند حدود الاتحاد الوطني، بل ستنعكس على كامل المشهد السياسي الكردي؛ لأنها تعيد إنتاج ثنائية الحزبين الكبيرين على أنقاض قوى أصغر حاولت أن تفرض نفسها، كما أنها تترك جرحًا عميقًا في الشارع الكردي قد يتحول لاحقًا إلى موجة احتجاجات واسعة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية".
ورغم اللقاءات التي جمعت بافل طالباني بقيادات الحزب الديمقراطي مؤخرًا، فإن تشكيل حكومة موحدة للإقليم لا يزال معقدًا برغم إجراء الانتخابات النيابية العام الماضي، بفعل الخلافات على المناصب والملفات السيادية.
لكن ما يجمع الطرفين في هذه المرحلة هو تقاطع المصلحة في تحجيم الأحزاب الصغيرة، والتقليل من فرص بروز قوى ثالثة قد تربك المعادلة القائمة.
وبحسب مراقبين، فإن إضعاف "الجيل الجديد" وإنهاء حضور لاهور جنكي يعيدان إنتاج الصيغة الكلاسيكية التي حكمت الإقليم لسنوات، مع توزيع النفوذ بين أربيل والسليمانية، وأن تظل حالة التوازن بين الحزبين قلقة، وتخضع لمعادلات متشابكة داخلية وخارجية.